المبادرة (9) "التحول الرقمي والحَوْكمة الإلكترونية"
في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتتعمق الرقمنة في شتى مناحي الحياة، لم تعد الإدارة المحلية تُقاس بما تملك من مبانٍ أو أوراق، بل بقدرتها على التفاعل الذكي والسريع مع حاجات المواطنين. ومن هنا، تأتي هذه المبادرة لتُحدِث نقلة نوعية في بلدية صيدا، تُعيد تعريف مفهوم “الخدمة العامة” بوصفها حقًا ميسرًا، لا عبئًا بيروقراطيًا.
1. تطوير منصات إلكترونية للخدمات البلدية وتهدف إلى:
- إتاحة خدمات دفع الفواتير، إصدار التصاريح، وتقديم الطلبات عبر الإنترنت، بطريقة سلسة وشفافة.
- توفير واجهات استخدام سهلة وواضحة لجميع الفئات، بما فيها كبار السن وغير المعتادين على التكنولوجيا.
هذه الخطوة تُعبر عن احترام وقت المواطن وكرامته، وتحويل البلدية من ممرّ انتظار إلى منصة استجابة.
2. اتخاذ قرارات قائمة على البيانات وهنا يتحقق:
- استخدام تحليلات البيانات لرصد الاتجاهات والاحتياجات، مثل توزيع السكان، حركة المرور، أو نقاط الضعف الخدمية.
- تحسين تخصيص الموارد البلدية على أساس واقعي لا عشوائي.
القرار هنا لا يُبنى على الحدس، بل على معلومة دقيقة، وهو ما يُقوي الشفافية ويُعزز الثقة بين المواطن والإدارة.
3. برامج لمحو الأمية الرقمية وتتجسد هذه الخطوة في:
- تدريب المواطنين، وخصوصًا كبار السن، على استخدام المنصات الرقمية، لضمان ألا يُقصى أحد من الخدمات الجديدة.
- نشر ثقافة التكنولوجيا بوصفها أداة للتمكين لا للإقصاء، من خلال ورش عمل، وشراكات مع المدارس والجامعات.
بهذا تُصبح الرقمنة مشروع دمج، لا تفريق… وتتحول من جدار عازل إلى جسر تواصلي عابر للأجيال.
خلاصة وتأمل
إن هذه المبادرة لا تتعلق فقط ببرمجيات وأجهزة، بل برؤية فلسفية جديدة للإدارة: أن تكون أقرب، أسرع، أوضح، وأكثر عدالة. فالتحول الرقمي ليس في التقنية فقط، بل في الذهنية، والأسلوب، والعلاقة مع الناس.
إنّها خطوة تُدخل صيدا إلى عصر الحوكمة الذكية، وتُثبت أن مدينة ذات جذور ضاربة في التاريخ، قادرة أن تمد فروعها نحو المستقبل بكل كفاءة واعتزاز.
***
خاتمة المبادرات: نحو صيدا الممكنة
بعد استعراض المبادرات التسع، يتضح أن المقترح المقدَّم ليس مجرد حزمة مشاريع إدارية متفرّقة، بل هو مشروع نهوض متكامل، يتعامل مع المدينة بوصفها كيانًا حيًّا، نابضًا، متشابك الأبعاد: عمرانًا، وإنسانًا، وذاكرةً، وطموحًا.
كل مبادرة من هذه المبادرات تسعى إلى سد فجوة في النسيج المدني: من البنية التحتية إلى البيئة، من الاقتصاد إلى التعليم، من الصحة إلى المشاركة، من الأمن إلى إدارة الموارد، ومن التكنولوجيا إلى الحوكمة. غير أن روعتها تكمن في تماسكها العضوي، حيث لا يُفهم أحدها بمنأى عن الآخر، بل يُكمل بعضها بعضًا، تمامًا كما تتعاضد خلايا الجسد السليم.
هذه الخطة لا تكتفي بوضع اليد على الجراح، بل تقترح علاجًا واقعيًا، قابلًا للتنفيذ، مدعومًا بروح من الشراكة الشعبية والعدالة الاجتماعية. إنها دعوة لتجديد العقد بين البلدية والمواطن، لا على أساس السلطة، بل على أساس الخدمة؛ لا على أساس الوعود، بل على أساس الإنجاز.
وفي عمق هذه الرؤية، تسكن فلسفة واضحة: أن المدينة لا تُبنى فقط بالقرارات، بل تُبنى بالثقة. ولا تُدار فقط بالخبرة، بل بالبصيرة. ولا تزدهر فقط بالبُنى، بل بالناس.
وهكذا، يضع د. عبد البديع الددا هذا التصوّر الشامل، لا بوصفه نهاية الطريق، بل بداية مسار ناضج، يستحق أن يُناقَش، ويُغنَى، ويُترجَم إلى واقع، بتكاتف أبناء صيدا كافة.
فلنصنع معًا صيدا الممكنة… صيدا العادلة، الجميلة، الآمنة، المنتجة، والمتجدّدة دومًا، بأصالتها المتجذرة ورؤيتها المتطلعة.
*** *** ***
قدم د. عبد البديع الددا، انطلاقًا من إحساسٍ عميق بالمسؤولية، ورؤيةٍ تستلهم من إرث صيدا العريق وتحديات حاضرها، مقترحًا لمجموعة من المبادرات التنموية المتكاملة التي تشكل نواة خطة عمل بلدية صيدا للعام 2025.
تقديم: إبراهيم الخطيب