الفأر وقطعة الجبن المستحيلة (قصة قصيرة)
وهج الحلم وبدايات الطريق
في قلب مدينة تضج بالحياة وتفيض بالحركة، حيث الأزقة تحكي قصصًا نابضة، والنوافذ تُشع بأسرار متجددة، عاش فأر صغير يُدعى سُهيل. جسد في روحه شعلة متقدة على الدوام، وامتلك قلبًا يستنشق الحياة كأنها وعد متجدد، وعينين تتسعان لحلم يعانق السماء.
انبثقت في داخله رغبة مضيئة تنمو بثبات، ورؤية تفيض بالدهشة. اتّسع طموحه ليرتقي فوق المعتاد، وسار بخطى الحالمين على دربٍ تشد العزائم من أركانه، وتفتح فيه الآمال جناحيها.
كان يرى الحياة مسرحًا للأبطال، وفرصًا تنتظر أصحاب القلوب المؤمنة. ومع كل إشراقة، كان يُعيد تشكيل رؤيته، متخيلًا قطعة جبن أسطورية، شامخة كالقمر، متوهجة بلون الغروب، ينبعث منها عبير المجد وتلمع كأنها مرآة السماء في لحظة إشراق.
لحظة الاكتشاف وبريق التحقق
في خياله، تجلت تلك القطعة كرمز للوعد المتحقق، وكنز يؤكد صدق الرؤية. سماها اسمًا يتردد في صدره كأنشودة نصر: قطعة الجبن المستحيلة. وقد اختارها عنوانًا لطريقه، ودليلًا على سمو هدفه، واحتفاءً بقدرة القلب على بلوغ الأعالي.
من هنا، انطلقت رحلته بوصفه مغامرًا يحمل رؤية تضيء العتمة، وتُقيم الجسور بين الفكرة والواقع، بين الإيمان والتحقق.
وذات مساء، كانت السماء متوشحة بألوان الغروب، تذوب فيها الشمس كعنبر ذهبي. سار سُهيل بخفةٍ تشبه نغمةً تتسلل بين الصمت، يقوده حدس صافٍ ينبض في داخله كالبوصلة.
تسلق جدارًا خلف مطعم فرنسي راقٍ، تنبعث من نوافذه روائح تعبق بالفخامة. وبينما اقترب من إحدى النوافذ، انطلقت في أنفه رائحة مميزة، عميقة، تناديه بنداءٍ لطالما سكن روحه. تدفّقت من المطبخ نفحة غنية تنبع بالحسم والانتصار، وتلامس الأعماق كما تلامس الأنغام أوتار القلب.
تطلع من خلال زجاج المطبخ، فامتلأت عيناه بمشهد تعشقه الأرواح وتتشوق إليه المخيّلة منذ فجر الأمل: قطعة جبن تتوسط صحنًا أبيض ناصع، تشع بلون الذهب، ويفوح منها أريج يوقظ الحواس. امتلأ يقينًا بأنها الجوهرة المنشودة، وتعرف إليها بروحه قبل أن تلمحها عيناه... كانت المُنى ماثلًا أمامه.
تسلل بخفة الواثق، قفز كمن يعرف أن الأرض تنتظره، وأن اللحظة كُتبت له وحده. وقف أمام قطعة الجبن، تأملها بعينين يلمع فيهما الفخر، ثم اقترب وتذوق لقمتها الأولى. انسكب في كيانه إحساس مترف بالحياة، امتزج فيه الطعم بالمعنى، وتجلّت الحقيقة: أن الطموح حين يُعاش بإصرار، يتحول إلى واقع يفوق الوصف.
المجد والذاكرة الخالدة
عاد سُهيل إلى عشه محملًا بنور التجربة، وبقلب أغنى من الذهب. حمل في ذاكرته عبق الإنجاز، وفي خطواته خريطة النجاح، وفي صوته حكاية تُروى لأجيال تؤمن بأن ما يُرى بالقلب، يتحقق بالعمل.
رجع وهو يحمل في قلبه نور التجربة، وفي خطاه نبض الحكمة، وفي نظرته إشراق من عرف طريقه وسلكه حتى نهايته. مثلت رحلته مغامرة تنبض باليقين حين يُروى بالإصرار، ويُسقى بالصبر، ويُغذى بالعمل.
أصبحت قصته تُتناقل بين الفئران كما الأساطير. انتشر اسمه في الحارات والممرات، وارتبط بالحكمة والبصيرة، وامتد حضوره في الذاكرة الجماعية كرمز للنجاح المتحقّق. تحدثوا عنه كمن فتح بوابة المستحيل، وسار فيها حتى صار الممكن واقعًا ملموسًا.
تجلى في ذاكرة من عرفه أنه صانع المعجزات، وأن خطواته أنشأت طريقًا جديدًا لمن يختار أن يحيا بالرجاء، ويقود بالإرادة، وينتصر بالثقة.
"من يسكن الأمل قلبه، يسير على أرض النصر بثبات، ويكتب للدهشة سطرها الأول." - من سيرة سُهيل
إعداد: إبراهيم الخطيب