سرقة فروج مشوي على الفحم في وضح النهار بصيدا

إعداد: إبراهيم الخطيب
مقدمة:
في مدينةٍ تُشبه المدن… ولكنها لا تُشبه أحدًا، حيث يختلط عبق التوابل بصوت المآذن، ويمتزج عبير التاريخ برائحة الفحم الحي، وُلدت الحكاية!
نعم، في صيدا، المدينة التي لا تنام على جوع، ولا تصحو على نسيان، حدث ما لم يكن في الحسبان: مؤامرة من نوعٍ خاص… ليست سياسية، ولا اقتصادية، بل مؤامرة دجاجية على شرف الفروج المشوي!
ليست هذه الحكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، بل من ليالي "مطعم الأمير راشد"، حيث يتصارع الجوع مع الكبرياء، وتتحول شهوة الأكل إلى معركة كرامة، ويصير الفروج بطلًا قوميًا يُخطّط لاختطافه كما يُخطّط لثورة.
ثلاثة رجال من قلب الحارات القديمة… لا يجمعهم حزب، ولا برنامج انتخابي، بل يجمعهم عشق مشترك للفروج المُحمر بنار الوجدان. يقفون على هامش الحياة، يُراقبون… يشتهون… ويخططون.
لكن كما في كل مؤامرة، لا بد من "عين ترصد" و"يد تتدخل" و"مصير ينقلب"، فالقصة لا تسير كما يشتهي الحالمون، بل كما يشويها القدر على نارٍ هادئة.
في هذه السلسلة، نروي لكم ملحمة جوعية صيداوية ساخرة، حيث الشرف يُقاس بدرجة التحمير، والنية تُكشف في طعم الليمون، والأبطال… ليسوا من أفلام هوليوود، بل من زوايا الشوارع… يحملون أحلامهم على شكل جناح، وقلبهم على هيئة رغيف.
فهيا بنا إلى أولى الحلقات… حيث يبدأ كل شيء بفروجٍ… ولكن لا ينتهي به.
*** *** ***
الحلقة (1) مؤامرة لسرقة فروج مشوي على الفحم من مطعم الأمير راشد
مرحبًا بكم يا أهل صيدا ويا محبي الفروج المشوي من كل حدب وصوب! نحن اليوم أمام قضية تهزّ المدينة من جذورها... حادثة لم يشهد لها مثيلًا مقابل المكتبة العصرية منذ اختفاء رغيف خبز من فرن مستو سنة 1998! نعم، إنها محاولة... لا، بل مؤامرة لسرقة فروج مشوي على الفحم من مطعم الأمير راشد، في قلب الشارع الممتد ساحة القدس إلى دوار الست نفيسة!
في تمام الساعة الرابعة والربع بعد العصر، حين كانت الشمس تداعب ساحة النجمة، اجتمع ثلاثة رجال تحت تمثال لا يوجد أساسًا، خلف عمود كهرباء مائل بعض الشيء قرب مكتبة مغلقة منذ التسعينات. الثلاثة؟
- سعيد المكربج: عاطل عن العمل، ولكن خبير في الشمّ والتمييز بين فروج على الفحم وفروج بالغاز.
- أبو خليل: محترف تقليب حكايات، وهاوي لفّ السندويشات خلسة من المطاعم المزدحمة.
- فتّوح القنبلة: يُلقب بذلك لأنه يطلق النكات التي تفجّر الضحك… أو الغضب، حسب نوع الجمهور.
سعيد (وهو يمضغ لبّتين): "يا جماعة… أنا شميت ريحة الفروج من بعد ساحة القدس. وبتقولولي مستحيل نسرق؟! هذا مش فروج… هذا رسالة سماوية بالفحم!"
أبو خليل (يمسح عرقه بمحرمة عليها شعار كولا من الثمانينات): "أنا مش ضد السرقة… بس سرقة فروج؟ يعني إذا انكمشنا، كيف بدنا نشرحها للناس؟ بنسرق ذهب؟ مفهوم. بنسرق دولارات؟ مقبول. بس فروج؟"
فتّوح (ضاحكًا): "بنقول للشرطة: كنا جوعانين يا حضرة العريف! وكلّو من ريحة الأمير راشد!"
وهنا… انطلقت خطة "جناح الفروج الطائر". المؤامرة كانت بسيطة… أو على الأقل، هكذا ظنّ الثلاثي المرح.
أولًا: مراقبة المطعم.
ثانيًا: تحديد اللحظة المناسبة.
ثالثًا: خطف الفروج.
رابعًا: الهروب إلى شارع الجامع العمري وتناول الغنيمة خلف "صخور الشاطىء".
لكن… هل تسير الأمور كما يُخطط لها دائمًا؟ هناك من كان يُراقبهم… شاب غامض… يحمل بيده كيس فلافل، ويرتدي قبعة مكتوب عليها: "عشّاق الدجاج لا يُهزمون". من هو؟ ولماذا يراقبهم؟ هل هو عميل مزدوج بين مشاوي القدس ومشاوي النجمة؟
*** *** ***
الحلقة (2) "عين على الفروج… وعين على القبعة!"
مرحبًا بكم من جديد يا عشاق المشاوي ومطاردي الفروج المشوي من صيدا حتى ضواحي الحلم!
في الحلقة السابقة… كنا مع ثلاثة رجال وخطة لا تشبه سوى خبز التنور: حارّة، ومفتوحة على كل المفاجآت!
لكن… لم يكن أحد يتوقع أن هناك قبعة غامضة تراقبهم… وتخفي أكثر مما تُظهر.
في اليوم التالي… في نفس التوقيت، لكن بريحة شوي أقوى، كان الثلاثي يقف خلف برميل قمامة، يراقبون الأمير راشد من بعيد، وكأنهم بعثة استطلاع تابعة لبرنامج "عَ نارك يا وطن".
سعيد المكربج (يهمس وقد أطلق الشاربين إلى الأمام كمجسّات):
"هيدا الشيف… كل ما قلّب الفروج، قلب قلبي معه."
أبو خليل (يراقب بنظارة شمسية مكسورة من جهة اليمين):
"الشيف شكله محترف… بيقلب الفروج كأنّه بيقلب دستور!"
فتّوح القنبلة (يضحك على نفسه):
"بتعرفوا؟ إذا هالعملية نجحت… بدنا نفتح فرع خاص ونسمّيه 'فروجنا هربان'!"
وفجأة… يقترب الشاب صاحب القبعة. يمشي بثقة… كأنّه يوزّع منشورات سياسية عن الدجاج. يجلس بهدوء على كرسي بلاستيكي أمام المطعم، يفتح كيس الفلافل… ويبدأ بتغميس الحبّات بنظرات تحدٍّ واضحة.
أبو خليل (يرتجف):
"يا جماعة… عم يتّهمنا بنظراته! بيقولنا: أنا بعرف كل شي! بعرف شو مخبّيين بخياشيمكن!"
سعيد: "ما فينا نرجع هلّق! رجوعنا يعني اعتراف!"
فتّوح: "يعني شو؟ نكمّل؟ نسرق الفروج وعيني بعينه؟"
وهنا… تحصل المفاجأة! الشاب يخرج من جيبه بطاقة… يضعها على الطاولة… ثم يصرخ نحو المطعم: "نقيلي فروج، بس انتبه… بدي الجناح اليمين طري، لأنه الجناح الشمال عنده ميول سياسية!"
هنا فهم الثلاثي أن الشاب ليس زبونًا عاديًا… بل هو ناقد مشاوي محترف، معروف بلقب "الحكم الذهبي للمشاوي" في مجموعات واتساب سرية.
وهو إن علّق، لا يُعلّق فقط على الطعم… بل على درجة التحمير، التوازن بين الزيت والليمون، ومدى انسجام الفروج مع روحه.
رسالة واتساب جماعية: "تحذير عاجل: ناقد مشاوي يتجول في صيدا… نتائج زيارته قد ترفع مطعمًا إلى السماء أو تدفنه تحت المولات!"
أبو خليل يهمس بخوف: "إذا شفنا خطته قبل خطتنا، يمكن ننجو!"
هل يتراجع الثلاثي عن الخطة؟ هل يدخل الناقد في صلب المؤامرة؟ هل يتحول الفروج إلى قضية رأي عام؟
*** *** ***
الحلقة (3) "يوم الفروج العظيم… وعودة الحكم الذهبي!"
في حلقتنا السابقة… ظهر "الحكم الذهبي للمشاوي"، رجل لا يأكل إلا إذا تأكد أن الفروج قد نال حقّه الكامل من التحمير والإجلال.
لكن ثلاثتنا - سعيد، أبو خليل، وفتّوح – لم يدرسوا وجود حكم بهذا الحجم في خطتهم النيئة… وها هم الآن أمام قرار مصيري: إما يسرقون الفروج أمامه… أو ينسحبون إلى الأبد… ويفقدون هيبتهم في "مجموعة واتساب الحارات القديمة - فرع الأكلات الشعبية".
نهار الجمعة، بعد صلاة العصر، ارتفعت درجات الحرارة في صيدا… لا بفعل الطقس، بل لأن الفروج على الفحم بدأ ينادي من بعيد: "تعالوا… أنا جاهز، أنا هشّ ومقرمش!"
في الزاوية المقابلة، كان فتّوح يحمل خريطة مرسومة على كرتونة بيتزا، مكتوب عليها:
"مسار التسلل: من خلف غاز الأمير راشد ← انعطاف نحو برميل المخلل ← التقاط الفروج ← الهروب تحت ساتر دخان نكهات."
سعيد (وقد لفّ رأسه بمنشفة كتب عليها "أنا مقاوم للجوع"): "إذا صرنا جديين… بنقدر نسرق الفروج بلا ما يلاحظ الحكم. هو مشغول بتقييم البهارات!"
أبو خليل (يرتجف): "بس إذا شافنا… رح يكتب عنا بوست، ونصير تريند تحت هاشتاغ: #فروجان_هربانان!"
وهنا… وقع الحدث. الشيف أخرج الفروج العظيم من الفحم… وضعه على الطاولة… وابتعد ليجيب على الهاتف.
فتّوح (يهمس): "اللحظة إجت… يا منعيش أبطال… يا منموت جوعانين!"
الثلاثة اندفعوا كأنهم في سباق أولمبي… لكن ما لم يكن في الحسبان… أن "الحكم الذهبي" كان قد جهّز فخًا غير مرئي: وضع كاميرا صغيرة داخل كيس الفلافل، تبثّ مباشرة لمجموعة اسمها: "عيون المشاوي - فرع الجنوب".
وقبل أن تلمس يد سعيد الفروج، دوى في السماعة المحمولة: "تمّ رصد تحرك مشبوه خلف الطاولة… التقطوا الوجوه! زووم على الشاربين!"
أبو خليل يصرخ: "رجّعوه! رجّعوا الفروج! عم يتفرج علينا 43 عضو واتساب!"
فتّوح يركض وقد لف الفروج بقميصه: "ما بدي شهرة! بدي لقمة!"
سعيد، وهو يركض: "قلتلكم… كان لازم نلبس أقنعة على شكل باذنجان!"
وهكذا… انتهت محاولة السرقة بالفشل… لكن لم تنته الحكاية بعد.
الحكم الذهبي لم يبلغ الشرطة… بل كتب منشورًا ملغّزًا على صفحته:
"في صيدا، هناك فروج لم يُؤكل… لكنه علم ثلاثة رجال درسًا لا يُنسى في فنون الخلطة والشرف…"
#سرقة_مشوية #فروجة_بلا_نهاية
*** *** ***
الحلاقة (4) "الفروج لا يُسرق… بل يُنافَس!"
بعد ما صاروا أضحوكة، وبعد ما انتشرت صورهم من كيس الفلافل إلى حسابات الطبخ على تيك توك… قرر ثلاثي المشاوي: سعيد، وأبو خليل، وفتّوح… أن ينتقلوا من اللصوصية إلى الريادة!
الخطة الجديدة؟ فتح مطعم مشاوي منافس… بنفس الشارع، لكن باسم لا يُنسى: "فروج ورا الشجرة" (مش لأنه ورا شجرة فعلًا… بس لأن الناس بتحب الأسرار).
بدأ العمل فورًا… فتّوح تولى التصميم: رسم شعار المطعم على ظهر ورقة فاتورة ماء، يظهر فيه فروج بعضلات مفتولة وعبارة: "مشوي بكرامتنا!"
أبو خليل، قرر يكون مدير العلاقات العامة… بدأ بنشر شائعات مدروسة: "سمعتوا؟ الأمير راشد صار يستعمل فحم صناعي من آخر الصين!" "بيقولوا الشيف عنده زكام من أسبوع… يعني الطعم ناقص شم!"
أما سعيد… فقد أمضى ثلاث ليالٍ يختبر وصفة سرية: خلطة زيت زيتون، دبس رمان، ونقطة من دمعة طفل جائع (حسب وصفه الشعري).
بعد أسبوعين فقط… فتحوا المحل. "فروج ورا الشجرة" صار حديث الناس. لافتة يدوية مكتوبة بخط غير متزن: "جربنا… فاح الطعم. ما جربت؟ راحت عليك!"
وكان العرض الأقوى: "اشتر فروج… وخذ صورة معه!" (كأنّه نجم سينمائي… بس مزيت شوي).
لكن مين أول زبون؟ نعم… هو… صاحب القبعة… "الحكم الذهبي". دخل، وخلع قبعته… ساد صمت مثل صلاة مغرب في شتاء صيدا.
فتّوح (يهمس لسعيد): "يا خيي… إذا أكل ونشر بوست حلو، نحنا طلعنا فوق!"
أبو خليل (يركض ليشغل المروحة): "خليه يحس بالنسيم… الطعم بيطير مع الهوا!"
الحكم الذهبي جلس، شمّ الفروج، عض الجناح… أغلق عينيه.
ثم قال: "فيه شغلة ناقصة…"
سعيد يتلعثم: "ملح؟ فلفل؟ كرامة؟"
الحكم الذهبي يبتسم ابتسامة غامضة: "لا… ناقصه شغف."
هنا… انهارت المعنويات. الناس بدؤوا يهمسون: "يمكن مشكلتهم مش بالفروج… بل بالنية!"
*** *** ***
الحلقة (5) "الوصفة الأخيرة… من دفاتر جد فروج!"
في صيدا… كما في كل حكاية عظيمة، لا تنتهي القصة بفشل ولا بنجاح، بل بتحول.
ثلاثي المشاوي الشهير، بعد أن قيل عنهم "سراق فراخ"، ثم "فاشلين بالمخلل"، ها هم على شفير لحظة غيرت مجرى الشواء في الشرق الأوسط!
في ليلة مقمرة، والشارع خالٍ إلا من قطة تشرب من سطل مشاوي مسكوب… وصل رجلٌ مسن، يرتدي معطفًا طويلاً عليه آثار فحم، ويحمل بيده كتابًا قديمًا ملفوفًا بقماش كأنه خرج من زمن الحسبة والمماليك. دخل مطعم "فروج ورا الشجرة"، نظر في أعينهم واحدًا واحدًا، وقال:
"أنا فخري حفيد فروج… حفيد الرجل الذي اخترع أول خلطة شوي في صيدا… وعندي لكم ما لا يملكه أحد."
فتح الكتاب… وصفة مكتوبة بخط اليد، بعنوان: "خلطة الجدّ فروج السرية: لمن لا يريد زبونًا… بل مريدًا!"
المكوّنات؟ ليست فقط بهارات. بل:
- حبة تسامح (مطحونة)
- ملعقة كرامة
- رشة ضحك صادق
- زيت من زيتونة كانت شاهدة على أول حب
سعيد (بدهشة): "يعني لازم نطبخ الفروج… بضمير؟"
أبو خليل: "يعني ما في داعي نتخبى؟"
فتّوح: "يعني... لازم نحب الزبون قبل ما نحطله الفروج؟!"
فخري حفيد فروج يضحك ضحكة حكيمة: "إذا ما شويتوا قلوب الناس قبل الدجاج… ما حدا رح يرجع لعندكم."
في اليوم التالي… بدأ العمل بوصفة الجد.
النتيجة؟ أول زبون بكى بعد أول قضمة. ثاني زبون كتب قصيدة بعنوان "يا جناح الفروج، طِر بي إلى السلام". حتى الحكم الذهبي… عاد، أكل، وقف، وصفّق. وكتب منشورًا تاريخيًا:
"من سرقة إلى محبة… من مشاوي إلى مدرسة. فروج ورا الشجرة… صار معلم من معالم صيدا. #فروج_بعزّة #نارنا_صارت_حلال"
وهكذا… انتهت مغامرة الثلاثي، ليس كأبطال، ولا كلصوص، بل كأصحاب مطعم صغير… يقدم فروجًا لا يُنسى… بنكهة الصدق، وبعطر التجربة.
شكرًا لأنكم كنتم معنا في رحلة "سرقة فروج مشوي في وضح النهار"… كونوا دائمًا على فحمٍ من نور، ولا تنسوا: أطيب الأشياء… تأتي من نية طيبة، قبل نار طيبة.