حكاية البئر المسروق (قصة قصيرة)
في صباح بارد مغمور برطوبة كثيفة، وقف المحامي عند باب الأستاذ الجامعي، بين يديه عقد البئر، وعلى شفتيه ابتسامة غامضة كأنها ولدت في زوايا محكمة مزدحمة بالضباب.
قال المحامي، وهو يزيح قبعته ببطء كما لو كان يزيح قناعًا:
- بعت لك البئر، ولكن الماء ظل لي. إذا رغبت باستخدامه، وجب عليك دفع مبلغ إضافي.
لم يتغير وجه الأستاذ الجامعي. كان يشبه في هدوئه بحرًا روسيًا جمّدته عاصفة شتوية. تأمل الأستاذ المحامي بنظرة عميقة، كما لو كان يقرأ سطوره الخفية. رفع رأسه، بعينين ثابتتين، ونطق بكلمات كانت أشبه بمطرقة تهوي على طاولة القاضي:
- أردت فقط التحدث إليك... إذا كان الماء لك، فأمهلك حتى الغد لتستخرجه من بئري. وإن لم تفعل، فالكرماء يفرضون على المتخاذلين دفع الإيجار.
تعثرت الكلمات في فم المحامي، وبدت عليه صفرة فجائية كصفرة وجوه المسافرين في قطارات الشتاء. تلعثم، ثم همس، وكأن البرد قد جمد لسانه:
- كنت أمزح...
ابتسم الأستاذ الجامعي، لكن ابتسامته هذه المرة كانت كسكين تسري تحت جلد الخداع، وقال بهدوء لا يرحم:
- وأعتقد أن أمثالنا، نحن الذين نحمل عبء المدرسة، هم من يُدرّبون أمثالك ممن يحلمون بدهاء المحكمة. أنت تلهث خلف النجاح... أما نحن فنؤمن بالارتقاء.
خُيّل للمحامي أن الجليد قد ذاب تحت قدميه، وأن قاعة المحكمة التي كان يتيه فيها، قد انقلبت إلى فصل من فصول مدرسة لا مكان فيها إلا للعقول التي تفهم أن الكرامة لا تُباع، والماء لا يُسرق. ولم يعد يسمع إلا صدى وقع خطواته المنكسرة على أرضية مدرسة لا تفتح أبوابها إلا للأنقياء.
إعادة صياغة: إبراهيم الخطيب