صيدا سيتي

فعالية "الشباب والفتن: كيف نصمد؟" في بلدية صيدا قوة الغرابة: كيف يقود الفضول المختلف إلى اكتشاف القوانين الكبرى الحاجة سهام محمد كيلو (أرملة الحاج عبد الرحمن الشغري) في ذمة الله هذا هو طريقك الأكيد إلى الثروة والنجاح الحاج أحمد عايد منصور (أبو وليد) في ذمة الله خليل عبد الله القنواتي في ذمة الله التغيير هو القانون السائد في الحياة الحاجة زهية محمد الترياقي في ذمة الله الشغف المعرفي ودوره في تشكيل المسار العلمي فعاليات رسائل النور في عدة مناطق في لبنان رحلة العودة إلى الجوهر واستعادة البوصلة الأصيلة الصوت الداخلي إعادة الارتباط بهوسك الطفولي وأثره في مسار الحياة المهنية رحلة الإتقان: من اكتشاف الدافع الداخلي إلى التميز المستدام بيان صادر عن مؤسسة مياه لبنان الجنوبي مشهد جديد لزيرة صيدا من الجو ازرع المسؤولية في طفلك… قبل أن تطلبها منه برامج ودورات الإمام ابن الجزري لتحفيظ القرآن ونشر علومه - صيدا معهد عودة للدروس الخصوصية يعلن عن بدء التسجيل للعام 2025-2026 موقع صيدا سيتي يفتح المجال أمام الأقلام لكتابة حكايات المدينة

قوة الغرابة: كيف يقود الفضول المختلف إلى اكتشاف القوانين الكبرى

إعداد: إبراهيم الخطيب - الإثنين 03 تشرين ثاني 2025 - [ عدد المشاهدة: 193 ]

الطفولة والبذور الأولى للفضول العلمي

وُلد فيلايانور سوبرامانبان راماشاندران (V. S. Ramachandran) عام 1951 في مدينة مدراس (تشيناي) بالهند، في فترة كانت فيها البلاد تشهد تحولات اجتماعية وثقافية عميقة بعد الاستقلال. في طفولته، تميّز راماشاندران بميولٍ تأملية وفضولٍ استكشافي نادر، إذ كان يقضي ساعاتٍ طويلة على شاطئ خليج البنغال يتأمل الأصداف البحرية التي تطرحها الأمواج. كان الأمر تجربة حسّية وبصرية متكاملة غذّت لديه نزعة الملاحظة الدقيقة والتساؤل حول الاختلافات في الأشكال والأنماط، وهي السمة التي ستصبح جوهر مسيرته العلمية لاحقًا.

لقد كان الطفل الهندي الصغير ينجذب إلى كل ما هو غريب وغير مألوف في الطبيعة، خصوصًا الأصداف التي تحمل تركيبات غير متماثلة أو أنماطًا نادرة من الزخرفة. هذا الافتتان بالتنوع والتفرد شكّل لديه حسًّا مبكرًا بما يمكن أن نسمّيه اليوم الفضول العلمي الاستكشافي، وهو من أقوى المحفزات التي تدفع العقول نحو الابتكار والاكتشاف.

رمزية الصدفة: من اللعب إلى المفهوم العلمي

من بين الأصداف التي سحرته كانت صدفة تُعرف باسم "زينوفورا" (Xenophora)، وهي نوع من الرخويات البحرية التي تلصق على ظهرها أصدافًا صغيرة وحصى مختلفة الألوان والأشكال. تمارس هذه الكائنات سلوكًا فريدًا يشبه الفن الطبيعي؛ إذ تستخدم ما تلتقطه لتبني قوقعة معقدة تخدم أغراضًا دفاعية وجمالية في آنٍ واحد. أثّرت هذه الظاهرة في مخيلة راماشاندران الطفل، فكان يرى في هذه الصدفة استعارةً رمزية لذاته: كائن غريب يتغذّى من تنوع ما حوله ويصنع من اختلافاته قوة.

في علم الأحياء التطوري، تمثّل الكائنات الخارجة عن المألوف - أو ما يُعرف بالكائنات المنحرفة عن النمط (Deviant forms) - حالات مهمّة لأنها تسهم في توسيع التنوع الجيني، ما يتيح للأنواع فرصة أكبر للبقاء في مواجهة التحولات البيئية. هذه الملاحظة التي أدركها راماشاندران intuitively في طفولته، ستنعكس لاحقًا في رؤيته العلمية التي تحتفي بالاختلاف بوصفه منبع الإبداع والتجدد في الطبيعة والإنسان.

من الأصداف إلى الدماغ: تحوّل في موضوع الفضول

مع مرور الزمن، تحوّل اهتمام راماشاندران من دراسة الكائنات البحرية إلى استكشاف ما هو أكثر تعقيدًا وغموضًا: الدماغ البشري. التحق بكلية الطب في الهند، ثم تابع دراساته العليا في علم الأعصاب في جامعة كامبريدج البريطانية، وهي من أبرز المؤسسات البحثية في هذا المجال. وفي مطلع الثمانينيات، انتقل إلى جامعة كاليفورنيا في سان دييغو (UCSD) ليعمل أستاذًا لعلم النفس العصبي (Visual and Cognitive Neuroscience)، حيث بدأ مرحلة جديدة من الاكتشافات المذهلة حول الإدراك البشري.

لقد ظل السؤال ذاته يرافقه: لماذا تختلف بعض الظواهر عن المألوف؟ وكيف يمكن للتباين أو “الانحراف” أن يكشف عن طبيعة النظام؟ من هنا توجه لدراسة الحالات العصبية غير السوية - كالأوهام الإدراكية واضطرابات الدماغ الغريبة - لاعتقاده أن فهم الاستثناءات يكشف القوانين العامة التي تحكم العقل البشري.

ظاهرة الأطراف الوهمية: بداية ثورة في علم الأعصاب

من أهم الظواهر التي بحث فيها راماشاندران ما يُعرف بـ الأطراف الوهمية (Phantom Limbs)، وهي حالة يشعر فيها الأشخاص الذين بُترت أذرعهم أو سيقانهم بأن الطرف المفقود ما زال موجودًا، بل ويعانون أحيانًا من آلام حادة فيه. كانت هذه الحالة تُعتبر لغزًا عصيًا على التفسير حتى التسعينيات، إذ لم يكن العلماء قادرين على تحديد مصدر الإحساس أو الألم.

قام راماشاندران بإجراء تجارب مبتكرة استخدم فيها ما عُرف لاحقًا بـ صندوق المرآة (Mirror Box Therapy)، وهو جهاز بسيط يتألف من مرآة توضع بين الطرفين، بحيث يرى المريض انعكاس الطرف السليم في موقع الطرف المفقود، مما يخلق وهمًا بصريًا يوهم الدماغ بوجود الطرف المبتور. وبتكرار هذه التجربة، بدأ المرضى يشعرون بانحسار الألم تدريجيًا.

نُشرت هذه النتائج في أواخر التسعينيات وأحدثت ثورة في فهم مرونة الدماغ (Neuroplasticity) - أي قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه استجابةً للتغيرات الجسدية والنفسية. وقد وثّقت مجلة Nature عام 1996 نتائج مماثلة في تجارب أجراها فريق راماشاندران، مؤكدةً أن الدماغ لا يتوقف عن إعادة بناء خرائطه الحسية طوال الحياة.

إسهاماته في علم الأعصاب المعاصر

لم يقتصر تأثير راماشاندران على علاج الألم فحسب، بل امتد إلى إعادة صياغة الطريقة التي يُفكَّر بها في العلاقة بين الجسد والعقل. فقد استخدم حالات عصبية استثنائية لفهم الأسس العصبية للوعي، مثل متلازمة اليد الغريبة (Alien Hand Syndrome)، وسلوك المرآة العصبي (Mirror Neurons)، الذي يفسر التعاطف والمحاكاة الاجتماعية.

بحسب إحصاءات قاعدة بيانات Google Scholar لعام 2024، تجاوز عدد استشهادات الأبحاث التي شارك فيها راماشاندران 120 ألف استشهاد علمي، مما يجعله من أبرز علماء الأعصاب تأثيرًا في العصر الحديث. كما أدرجته مجلة Time الأمريكية عام 2011 ضمن قائمة "أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم"، تقديرًا لإسهاماته في جعل علم الأعصاب أكثر قربًا من الإنسان العادي وأكثر عمقًا في تفسير التجربة البشرية.

العودة إلى الجذور: دراسة الغرابة كمنهج علمي

في مراحل لاحقة من مسيرته، عاد راماشاندران إلى دراسة الظواهر العصبية النادرة التي تُعدّ بمثابة “أصداف فكرية” في بحر الدماغ. فقد ركّز على الحالات التي يرى فيها الأفراد الأرقام والأصوات بألوانٍ أو أشكالٍ، وهي ظاهرة تُعرف بـ التشابك الحسي (Synesthesia). رأى في هذه الحالات استمرارًا لنمط تفكيره الأول: أن الغرابة ليست انحرافًا بل مفتاحًا لفهم النظام الكامن وراء التعقيد.

هذا المنهج الذي يمكن تسميته بـ منهج دراسة الاستثناء لفهم القاعدة، جعله يُعرف بين زملائه بلقب “صائد الظواهر الغريبة”، وهو لقب يعكس روح البحث التي تستلهم الاختلاف لا لتخفيه بل لتحتفي به.

الدرس الإنساني: تمسّك بفرادتك

إن المسار الذي سلكه راماشاندران يحمل رسالة فلسفية عميقة تتجاوز حدود العلم: أن الاختلاف هو أساس الإبداع، وأن الغرابة طاقة تحوّل.

في مجتمع يميل إلى النمطية، يُذكّرنا هذا النموذج العلمي بأن الميول الشخصية الغريبة في الطفولة قد تتحول إلى أعظم مصادر الإلهام في الكبر. تشير دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2019 إلى أن 68% من العلماء المبتكرين أظهروا في طفولتهم اهتمامًا مبكرًا بأنشطة غير تقليدية أو ذات طابع فردي، مما يدل على وجود علاقة وثيقة بين الفضول المنحرف عن السائد والقدرة على الابتكار لاحقًا.

لقد صنع راماشاندران من "غرابته" جسراً نحو فهم أكثر عمقًا للطبيعة البشرية، تمامًا كما صنعت صدفة "زينوفورا" من اختلافها درعًا يحميها من المخاطر. ومن هنا يمكن استخلاص القاعدة التي خلّدها في سيرته العلمية:

القاعدة الذهبية: اجعل غرابتك قوتك

"تمسّك بما تتمتّع به من غرابة، وتعرّف إلى ما يجعلك مختلفًا، وادمج تلك العناصر بعضها ببعض، لتغدو إنسانًا خارجًا عن المألوف."

هذه القاعدة، التي صاغها راماشاندران عبر مسيرته، تعبّر عن فلسفة إنسانية تجمع بين الجرأة على الاختلاف والقدرة على تحويل الشذوذ إلى إبداع. فكل اكتشاف علمي عظيم بدأ بسؤال غريب أو فكرة غير متوقعة، وكل عقلٍ مبدعٍ هو انعكاس لصدفةٍ بحريةٍ فريدةٍ صاغت نفسها على طريقتها.


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير وبرمجة: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 1007421076
الموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه.
موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة