يوم كانت صيدا تعيش كالجسد الواحد (بقلم د. عبد الرحمن حجازي)

تميز تاريخ صيدا الاجتماعي أنها كانت تعيش كالجسد الواحد، كل مواطن يعتبر نفسه مسؤولا عن المدينة، يعيش همومها وتطلعاتها.
وكانت مساجد صيدا الداخلية بعد عصر كل يوم تعج بالحياة، ومناقشة الهموم اليومية للمدينة وبخاصة في المسجد العمري الكبير ومسجد القطيشية ومسجد باب السراي: تناقش الأمور وتؤخذ القرارات التي تساعد على التنفيذ بالتعاون مع المسؤولين، وكثيرا ما كان المسؤولون يطرحون الأفكار على الناس في المساجد ليتحضر الناس إلى تنفيذها والسؤال عمن هو القادر على تنفيذ هذه الأمور.
ومن أمثلة ذلك أن المصلين في المسجد البراني ناقشوا أمر دخول القادمين إلى حسبة صيدا بالأحذية لقضاء حاجاتهم دون مراعاة الطهارة. نوقش هذا الأمر في المسجد العمري الكبير وتقرر إعلام مسؤول المساجد في الأوقاف عن الأمر . إلا أن ذلك المسؤول استصغر المكانة الاجتماعية لهؤلاء، وهم بائع خضار، فوال، وبائع متجول. وحذرهم من الحضور مرة أخرى إلى دائرة الأوقاف التي كانت فوق المسجد البراني - وبصريح العبارة - طردهم، فقد كان موظفا متأثرا باللباس الرسمي وينزل الناس حسب ثيابهم ولباسهم.
قرر هؤلاء الثلاثه إنهاء الموضوع بأنفسهم، فاتصلوا ب(حسنين) وهو عامل يتولى جلب الرمال من البحر، بأن يأتي بحملين من الرمال، كل حمل ثلاثة اكياس وكيس إسمنت وبعض الأحجار يأتي بها فجر يوم الجمعة القادم الى مسجد البراني.
نفذ حسنين المطلوب منه والرجال الثلاثه قاموا لسد الحمامات من الداخل وفتح باب لا يزال إلى اليوم عند مدخل المسجد في الصباح. علم ذلك المسؤول بالأمر وطلب من الدرك إلقاء القبض على هؤلاء، وعلم السكان بالأمر وتجمعوا عند هذا المسجد وساعدوا هؤلاء الرجال الثلاثه في إتمام عملهم، وانتقلت دائرة الاوقاوف جراء ذلك الى شارع الأوقاف. أما الموظف فحرص على عدم الظهور امام الناس!!
ترى ما الذي تغير اليوم!!! محيط صيدا الذي يكن لصيدا الاحترام و التقدير لا يزال كما هو، وأهالي صيدا لا يزالون كما هم، فما الذي تغير!؟
فهل شباب اليوم يهتمون بمدينتهم ويحرصون على أمنها وصحتها كما في الماضي!؟
@ المصدر/ بقلم د. عبد الرحمن حجازي - خاص صيدا سيتي