النسق الاجتماعي في الرؤية القرآنية
إعداد: إبراهيم الخطيب -
الجمعة 05 أيلول 2025 - [ عدد المشاهدة: 293 ]
يُعدّ الحديث عن النسق الاجتماعي في التصور الإسلامي جزءًا من النقاش الأوسع حول البنية الكلية للمجتمع، وكيف تُصاغ على ضوء الوحي والفطرة والقيم العليا. فالنسق الاجتماعي ليس مجرد فرع جانبي، بل هو امتداد مباشر للنسق البنائي الكلي الذي يرسم معالم العمران الإنساني، ويحدد مساراته في العدل، والتكافل، والتراحم.
الإشكالية: صورة مغلوطة عن النسق الإسلامي
ثمة تصور شائع عند بعض الناس يرى أن النسق الاجتماعي في الإسلام يقوم على الإقصاء والتمييز، وأن الكرامة الإنسانية فيه محصورة بطائفة أو مذهب أو جماعة معينة. هذه النظرة ولّدت شواهد سلبية في التاريخ الإسلامي، حيث مورست أشكال من التمييز الضار الذي أفقد بعض الفئات حقوقها الأساسية. غير أن هذا الفهم يتعارض مع حقيقة النسق القرآني الذي بُني على مبدأ شامل: كرامة الإنسان من حيث هو إنسان.
الأساس القرآني للنسق الاجتماعي
النص القرآني يقدّم قواعد راسخة لبناء المجتمع، أساسها العدل، الرحمة، التعاون، وحفظ الحقوق. ويكفي أن نستحضر قوله تعالى:
﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ [المائدة: 8]،
لنرى كيف يرفض القرآن التصنيف المسبق أو إقصاء الآخر، ويؤكد أن العدالة هي المعيار الأعلى للتعامل الاجتماعي.
﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ [المائدة: 8]،
لنرى كيف يرفض القرآن التصنيف المسبق أو إقصاء الآخر، ويؤكد أن العدالة هي المعيار الأعلى للتعامل الاجتماعي.
المدخلات البنيوية للنسق
يقوم النسق الاجتماعي - بوصفه جزءًا من النسق البنائي الكلي - على مجموعة من المدخلات المركزية:
- الوحي باعتباره مصدر الهداية والتشريع.
- الفطرة الإنسانية بما تحمله من استعداد للخير.
- الهوية الدينية التي تمنح المجتمع وحدة مرجعية.
- القيم الأخلاقية التي تؤطر السلوك الفردي والجماعي.
- الحاجات الطبيعية التي تعكس متطلبات العيش البشري.
العمليات التنظيمية داخل النسق
داخل المجتمع تتفرع آليات متعددة لضبط الحياة المشتركة: تنظيم الأسرة، ترسيخ الضبط الأخلاقي، إدارة العلاقات المجتمعية، تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيق التكافل الاجتماعي، وإيجاد آليات لحل الخلافات. والأخيرة تظل أعقد القضايا، إذ أثبت التاريخ أن المجتمعات البشرية - بما فيها المجتمع الإسلامي الأول - لم تَخلُ من نزاعات مبكرة تطورت أحيانًا إلى صدامات كبرى.
تجربة الرسول ﷺ، ثم الصحابة من بعده، أظهرت أن الموعظة وحدها لا تكفي لحل النزاعات؛ بل لا بد من أدوات مؤسسية وآليات فعّالة لمعالجة الخلافات، وهو ما حاول التاريخ الإنساني لاحقًا تطويره عبر وسائل أكثر نجاعة.
المخرجات والنتائج
النسق الاجتماعي المنضبط يُنتج مجتمعًا متراحمًا، آمنًا، متماسكًا، يقوم على علاقات راشدة، وعدالة اجتماعية، وتلاحم أسري، وتوفيق بين المختلفين. وهذه المخرجات تتيح بدورها عملية تغذية راجعة، يتم من خلالها تقييم المعايير، وضبطها بما يتلاءم مع الأخلاق الفردية، والرقابة المجتمعية، والقدوة الحسنة، والعقوبات الشرعية.
استمرارية البناء الاجتماعي
البناء الاجتماعي عملية مفتوحة لا تنتهي. الاعتقاد بوجود "معادلة كاملة" تنتج مجتمعًا مثاليًا حال تطبيقها، يمثل وهمًا يتناقض مع طبيعة الاجتماع البشري. الواقع العملي يكشف باستمرار عن محدودية الإنسان في تفعيل القيم الكبرى كالعدل والرحمة والتعاون، لكنه في المقابل يتيح إمكان التطوير المستمر لهذه القيم ضمن مشروع مفتوح للنمو والتعديل.
الطالب الشرعي ورؤية النسق
عندما ينظر طالب الشريعة إلى النسق الاجتماعي من زاوية كلية، بوصفه ضامنًا للاستقرار، والحياة المشتركة، والتنمية، فإنه يتجاوز المقاربة الجزئية التي تحصر الفقه الاجتماعي في أحكام الطلاق والزواج وبعض المعاملات. بذلك يصبح النسق الاجتماعي إطارًا حضاريًا أشمل، يسعى لإيجاد مجتمع متوازن قادر على التطور المستمر.
خاتمة
إن النسق الاجتماعي في القرآن هو مشروع إنساني حي، يتطور عبر التجربة والتغذية الراجعة، ويستند إلى قيم راسخة تضمن للإنسان كرامته، وللمجتمع استقراره، وللأمة استمرار نهضتها.
أصل النص: