صيدا سيتي

السنة والشيعة.. إدارة الخلاف في أزمنة الاستباحة | يوتيوب الذكاء الاصطناعي وتحسين الصحة النفسية في بيئة العمل: أدوات وتأثيرات الحاجة رلى عفيف الكلش (زوجة معن الصباغ) في ذمة الله اكتشف التمرين الذي يناسب شخصيتك… وابدأ رحلتك دون ملل محمود يوسف المغربي (أبو مصطفى) في ذمة الله الأخطاء المهنية: لماذا العشرينات أفضل مرحلة للفشل | يوتيوب مصطفى عبد القادر شريتح في ذمة الله خطط حياتك في ساعتين | يوتيوب التنافس الوظيفي: كيف نحوله من ضغط إلى دافع؟ لماذا تدمن الإباحية وكيف تتعافى؟ | يوتيوب حين يدخل التوتر المنزلي إلى المكتب: كيف تحمي تركيزك وإنتاجيتك؟ المتقاعدون ليسوا خارج الزمن في رحيل الحاجة أديبة البابا: رسالة تقدير وعرفان مفاجأة FADEL TAXI | ضمن صيدا 100 ألف | مطلوب شيف مطبخ (شرقي - غربي) لمطعم في صيدا كيف تتألق مهنيًا دون أن تنهكك الضغوط اليومية؟ القاضي الشيخ عصام العاكوم .. ناصحٌ لا يُفرّق ومصلحٌ يجمع القلوب للبيع شقة في منطقة الهلالية - كاشفة البحر رحيل د. باسل عطا الله… الطبيب الإنسان والمناضل الوطني والقومي

اكتشف التمرين الذي يناسب شخصيتك… وابدأ رحلتك دون ملل

إعداد: إبراهيم الخطيب - الإثنين 28 تموز 2025 - [ عدد المشاهدة: 477 ]
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload
1. مدخل: لماذا لا نلتزم بالرياضة رغم أهميتها؟
ممارسة الرياضة من أكثر العادات التي يُوصي بها الخبراء والباحثون في مجالات الصحة النفسية والجسدية. ولكن حين نأتي إلى الواقع، نجد أن التزامنا بالروتين الرياضي يبقى هشًا ومتقلبًا. في كثير من الأحيان، نضع أهدافًا ونشتري أدوات التمرين أو نسجل في نادٍ رياضي، لكن بعد أيام أو أسابيع، نفقد الحماسة ونعود إلى نقطة الصفر. لماذا يحدث ذلك؟ قد يظن البعض أن السبب هو الكسل أو ضيق الوقت، وربما ضعف العزيمة. لكن دراسة جديدة تقترح تفسيرًا أكثر عمقًا: نمط الشخصية هو عامل حاسم في قدرتك على الالتزام بالتمارين، بل وفي نوع الرياضة التي تستمتع بها فعليًا.
قد يبدو هذا التفسير مفاجئًا في البداية، لكنه يحمل منطقيّة مدهشة عند التأمل. نحن لا نستجيب كلنا للتحفيز بالطريقة نفسها، ولا نملك جميعًا الميل ذاته تجاه العمل الجماعي أو الروتين الصارم أو حب المغامرة. فالشخص الذي يشعر بالراحة وسط الجموع، سيجد متعة في الألعاب الجماعية، بينما من يفضل العزلة، قد يأنس بالرياضة الفردية. إذًا، عندما نختار التمرين الذي لا يشبهنا، يصبح الحفاظ عليه أقرب إلى عبء نفسي.
هذا يعني أن الحل لا يكمن في قوة الإرادة فحسب، بل في فهم أعمق للذات. ومتى ما فهمنا شخصياتنا، صرنا أقدر على بناء عادات تتوافق مع طبيعتنا، لا تتصادم معها. ومن هنا تنبع أهمية الدراسة التي سنعرضها لاحقًا، إذ تفتح أفقًا جديدًا لاختيار التمارين بناءً على ميولنا النفسية وليس وفق الموضة أو توصيات الآخرين. هكذا ننتقل من الرياضة بوصفها "واجبًا" إلى الرياضة بوصفها "رغبة".
2. الدراسة التي غيّرت طريقة فهمنا للرياضة
في يوليو/تموز 2025، نشرت مجلة "الحدود في علم النفس" دراسة حديثة أجرتها كلية لندن الجامعية، سلطت الضوء على العلاقة العميقة بين السمات الشخصية والالتزام بالتمارين الرياضية. شارك في هذه الدراسة 132 متطوعًا خضعوا بداية لاختبارات بدنية أساسية، ثم قاموا بملء استبيانات متخصصة لقياس السمات الخمس الكبرى في الشخصية. هذه السمات - الانفتاح على التجارب، الضمير الحي، القبول، العصابية، والانبساط —-تشكل الإطار الأكثر استخدامًا في علم النفس لتفسير سلوك الأفراد وتوجهاتهم.
بعد مرحلة التقييم الشخصي، تم إلحاق المشاركين ببرنامج رياضي استمر لمدة 8 أسابيع، تخلله تتبع لسلوكهم ومدى التزامهم، ونوع التمارين التي مارسها كل منهم، ودرجة الاستمتاع والانخراط فيها. وقد جاءت النتائج لافتة للنظر. فعلى سبيل المثال، الأشخاص الذين يتسمون بالعصابية (أي الذين يعانون من التوتر والانفعال والقلق) فضّلوا ممارسة التمارين بشكل فردي، بعيدًا عن أعين الآخرين، إذ كانوا أكثر حساسية تجاه الفشل والإحراج.
في المقابل، تبيّن أن الأشخاص ذوي "الضمير الحي" - أي المنظمين والمثابرين - أظهروا التزامًا كبيرًا بالبرنامج الرياضي، وحرصوا على تحسين لياقتهم بشكل جاد. بينما أبدى الانبساطيون ميلاً طبيعيًا نحو الرياضات الجماعية والمشاركة الفاعلة مع الآخرين. أما المنفتحون على التجارب، فقد أظهروا شغفًا بخوض تجارب جديدة واكتشاف أنشطة رياضية غير تقليدية. ولفت الباحثون إلى أن أصحاب سمة القبول لم يُبدوا حماسًا كبيرًا لتمارين القوة، رغم قابليتهم العالية للتفاعل مع الآخرين.
أهمية هذه الدراسة لا تكمن فقط في نتائجها، بل في ما تفتحه من أفق جديد لفهم كيف نمارس الرياضة ولماذا، ما يمكّن المدربين والأفراد على حد سواء من تصميم برامج رياضية مخصصة تتماشى مع النفس البشرية، لا تفرض عليها.
3. السمات الشخصية الخمس وتأثيرها في السلوك الرياضي
تُعد نظرية السمات الخمس الكبرى في الشخصية من أكثر النماذج النفسية استخدامًا لفهم السلوك البشري، وقد أصبحت مرجعية في مجالات مثل التوظيف، والعلاقات، والتعلّم، وها هي تُثبت جدواها في مجال النشاط البدني أيضًا. تشير هذه النظرية إلى وجود خمس سمات أساسية تُشكل الملامح النفسية لكل فرد، وهي: الانفتاح على التجارب، الضمير الحي، الانبساط، القبول، والعصابية. وقد أثبتت الدراسة التي أُجريت في كلية لندن الجامعية أن لكل سمة من هذه السمات تأثيرًا مباشرًا على نوع التمارين التي ينجذب إليها الشخص، ومدى التزامه بها، بل واستمتاعه أثناء ممارستها.
لنبدأ بسمة الانفتاح على التجارب. أصحاب هذه السمة يميلون إلى حب الاكتشاف وخوض تجارب جديدة، ما يجعلهم أكثر تقبلاً لممارسة أنشطة رياضية متنوعة وغير تقليدية مثل التزلج، والرقص، والباركور، وغيرها من الأنشطة التي تتسم بالحركة والغرابة. هذا التنوع يحفزهم ذهنيًا، ويمنع عنهم الملل الذي قد يصاحب الروتين.
أما من يمتلكون سمة الضمير الحي، فهم منضبطون ومنظمون، ويتصفون بالمواظبة على المدى الطويل. هؤلاء يميلون إلى اتباع خطط تدريبية واضحة، ويحققون نتائج ملموسة بفضل حرصهم على التدرج والتقويم الذاتي. هم أكثر عرضة للنجاح في برامج اللياقة ذات الأهداف الدقيقة، مثل تمارين القوة أو تدريبات التحمل.
الانبساطيون، بطبيعتهم الاجتماعية والحيوية، يجدون متعة أكبر في التمارين الجماعية التي تتيح لهم التفاعل مع الآخرين. الألعاب الجماعية مثل كرة القدم وكرة السلة تشحن طاقتهم وتحفزهم على الأداء الأفضل، كما أن أجواء الصالات الرياضية قد تكون محفزة لهم جدًا.
في المقابل، فإن أصحاب سمة العصابية، وهم الذين يعانون من حساسية مفرطة تجاه القلق والضغط، غالبًا ما يشعرون بعدم الأمان عند ممارسة التمارين في بيئات مزدحمة أو تنافسية. يفضلون الأنشطة الفردية مثل المشي أو السباحة أو الجري في الهواء الطلق. ورغم أنهم قد يجدون صعوبة في بدء التمرين، فإنهم غالبًا أكثر الناس استفادة نفسية من ممارسته.
أما سمة القبول، والتي ترتبط بالطيبة والتعاون وتجنب الصراع، فتجعل أصحابها ميّالين إلى الأنشطة ذات الطابع الجماعي، ولكن بشرط أن تكون خالية من العدائية أو التنافسية المفرطة. وقد أظهرت الدراسة أن هؤلاء لا يفضلون تمارين القوة، ربما بسبب طابعها الحاد أو الفردي، ما يشير إلى أهمية تخصيص نوع التمارين لهم بطريقة تراعي حساسيتهم الجماعية.
فهم هذه السمات لا يساعد فقط في اختيار التمارين، بل في بناء علاقة صحية مع النشاط البدني، تضمن الاستمرارية والمتعة بعيدًا عن الشعور بالإجبار أو الملل.
4. لماذا يحب بعض الناس الرياضة ويكرهها آخرون؟
من المألوف أن نرى أشخاصًا ينهضون باكرًا كل يوم لممارسة الرياضة بحماس، بينما يجهد آخرون أنفسهم لإيجاد الدافع لارتداء الحذاء الرياضي. البعض يعتبر التمرين متعة يومية، وآخرون يرونه عبئًا ثقيلًا. قد نميل إلى تفسير هذه الفروق من منطلق "الإرادة" أو "الكسل"، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا وعمقًا، وتتعلق - كما أثبتت الدراسة الحديثة - بتكوين الشخصية.
تؤثر سمات الشخصية في الطريقة التي نرى بها العالم، ونتفاعل معها، بما في ذلك المواقف من النشاط البدني. فالشخص الاجتماعي الانبساطي يجد متعته في الألعاب الجماعية، حيث يختلط التمرين باللقاء والتواصل، وهذا ما يجعله أكثر تحفيزًا واستمرارية. أما من يميل إلى العصابية، فقد يشعر بالحرج أو القلق من نظرات الآخرين أو من مقارنات الأداء، فيفضل التمارين التي تمنحه عزلته وراحته النفسية.
حتى المنفتحون على التجارب لا ينفرون من الرياضة، لكنهم يحتاجون إلى تنوع وتجديد دائم، فهم لا يحتملون تكرار الروتين ذاته لأيام متتالية. بينما يميل أصحاب الضمير الحي إلى بناء خطة محكمة يلتزمون بها، ويحققون فيها تقدمًا واضحًا.
هذه الفروقات ليست عيوبًا أو نقاط قوة بحد ذاتها، بل مفاتيح لفهم الذات وتوجيه السلوك بما يتوافق معها. فعندما يفهم الفرد طبيعته، يستطيع اختيار الرياضة المناسبة له، ويقلّ بذلك شعوره بالإجبار أو الضغط. فمثلًا، الشخص الذي يفضل التأمل والهدوء قد يستمتع أكثر برياضة اليوغا أو المشي في الطبيعة، بينما عاشق المنافسة قد يجد ضالته في كرة القدم أو الجري التنافسي.
وعليه، فإن السرّ لا يكمن في أن "فلانًا نشيط وفلانًا كسول"، بل في أن كل شخص لديه تركيبة نفسية تؤثر في اختياراته، وأن أحد أسرار الاستمرارية في ممارسة التمارين هو مواءمتها لهذه التركيبة. وبهذا تتحوّل الرياضة من عبء ثقيل إلى مصدر بهجة وطاقة.
5. العصابية: حين تصبح الرياضة علاجًا
عادةً ما يُنظر إلى العصابية كأحد أضعف السمات الشخصية من حيث الاستقرار النفسي. يتسم الأشخاص الذين يحملون هذه السمة بالحساسية الزائدة، والقلق، والانفعال، والانشغال المفرط بالمخاوف اليومية. إلا أن الدراسة التي أجرتها كلية لندن الجامعية فتحت نافذة جديدة على هذا النمط، معتبرة أن العصابية قد تشكّل حافزًا قويًا إذا تم توظيفها ضمن سياق رياضي مناسب.
يميل الأشخاص العصابيون إلى الانعزال وعدم ارتياحهم في البيئات التي يشعرون فيها بالمراقبة أو المقارنة. وهذا يفسر رفضهم لصالات الألعاب الرياضية المزدحمة أو التمارين الجماعية التنافسية. غير أن هذا لا يعني أنهم غير قادرين على ممارسة الرياضة، بل على العكس، هم الفئة الأكثر استفادة منها نفسيًا. إذ تؤكد نتائج البحث أن التمارين الرياضية تساهم بفعالية في تقليل مستويات القلق والتوتر لديهم، وتمنحهم شعورًا بالسيطرة والتحكم.
الرياضة، بالنسبة لهؤلاء، لا تقتصر على تحسين اللياقة البدنية، بل تمثل وسيلة علاجية لإعادة التوازن إلى المزاج وتنظيم الانفعالات. فعند ممارسة الجري أو السباحة أو حتى المشي، تبدأ أجسامهم في إفراز هرمونات مثل الإندورفين والسيروتونين، التي تُعرف بهرمونات السعادة. وهذا ما يجعل تأثير الرياضة مشابهاً — أو أحياناً أقوى — من تأثير بعض العقاقير المضادة للاكتئاب، كما يشير المختص النفسي منصور العسيري.
إضافة إلى ذلك، تُظهر تقنيات تصوير الدماغ أن التمارين الرياضية تنشّط مناطق في قشرة الفص الجبهي، وهي المسؤولة عن اتخاذ القرارات وتنظيم المشاعر. هذا النشاط الدماغي يتيح للمصابين بالعصابية القدرة على التفكير الهادئ والتفاعل الإيجابي مع الضغوط اليومية. لذا، فإن الرياضة في هذه الحالة تصبح أداة لبناء المرونة النفسية.
وإذا جرى اختيار النشاط الرياضي المناسب للعصابي - مثل اليوغا، أو الجري في أماكن طبيعية، أو التمارين المنزلية الهادئة - فإنه سيتمكن من تحويل خوفه وتوتره إلى طاقة إيجابية، ما يعزز ثقته بنفسه، ويغيّر علاقته بجسده وعقله. بهذا المعنى، لا تصبح العصابية عائقًا، بل مدخلًا إلى التعافي والتمكين.
6. كيف تختار التمرين المناسب حسب شخصيتك؟
اختيار التمرين الرياضي لا ينبغي أن يكون عشوائيًا أو مبنيًا فقط على ما هو رائج في وسائل التواصل أو ما يفعله الأصدقاء، بل من الأفضل أن يستند إلى فهم دقيق لطبيعة شخصيتك. هذا الفهم يمكّنك من تحويل الرياضة من "واجب" إلى "متعة"، ويزيد من فرص التزامك بها على المدى الطويل. فكلما كان النشاط متوافقًا مع ميولك النفسية، زادت احتمالية الاستمرار فيه، وانخفض الإحساس بالملل أو الإرهاق العقلي.
إذا كنت من أصحاب الشخصية المنفتحة على التجارب، فربما تميل إلى الأنشطة الرياضية المتنوعة وغير التقليدية، مثل تسلق الجبال، أو الرقص الإيقاعي، أو اليوغا الطائرة. ما يجذبك هنا هو عنصر التجديد، والتحدي العقلي، والرغبة في استكشاف تجارب جديدة. أما أصحاب الضمير الحي، فإنهم عادة ما يجدون أنفسهم في تمارين القوة، وبرامج اللياقة المنتظمة، ويحققون نتائج مبهرة بسبب انضباطهم ومثابرتهم.
أما الشخصية الانبساطية، فهي تتغذى على التفاعل الاجتماعي، ولهذا فإن التمارين الجماعية مثل كرة القدم أو الجري في مجموعات أو حتى حضور دروس الإيروبيك قد تكون الأنسب لهم. وجود الآخرين من حولهم يرفع من دافعيتهم ويمنحهم شعورًا بالحماسة. وعلى العكس، فإن الأشخاص الذين يميلون إلى العصابية يحتاجون إلى بيئة آمنة وهادئة. التمارين التي تمارس بشكل فردي، مثل المشي في الطبيعة أو السباحة أو التمارين المنزلية، تمنحهم مساحة نفسية مريحة بعيدًا عن التوتر والضغط الاجتماعي.
أما أصحاب سمة القبول، والذين يُعرفون بلطفهم وتعاونهم، فيُفضلون التمارين التي تتسم بالتواصل دون تنافسية مفرطة، مثل التاي تشي، أو الرقص الجماعي، أو الأنشطة التي تجمع بين الأداء الجسدي والترابط الإنساني.
ولكي تختار التمرين المناسب، يمكنك إجراء اختبار السمات الشخصية الخمس - والمتاح على الإنترنت - لمعرفة النمط الأقرب إليك. هذا الاختبار لا يقدم وصفًا سطحيًا، بل يساعدك على فهم أعمق لتوجهاتك وسلوكياتك. وبعد معرفة شخصيتك، جرّب نوعًا واحدًا من التمارين في البداية، وراقب شعورك خلاله وبعده. هل شعرت بالراحة؟ هل لاحظت تحسنًا في المزاج؟ هل راودك الحماس لتكرار التجربة؟ هذه المؤشرات كافية لترشدك نحو الخيار الأنسب.
اختيار الرياضة لا يحتاج بالضرورة إلى صرامة، بل إلى انسجام. فالمطلوب ليس فقط ما يساعدك جسديًا، بل ما يُلائمك نفسيًا، ويمنحك شعورًا بالتحقّق والرضا.
7. التمرين ليس عقابًا: كيف تستمتع به؟
يشيع في الأذهان - بشكل واعٍ أو غير واعٍ - أن التمارين الرياضية نوع من العقاب الذاتي: عقابٌ على الإفراط في الأكل، أو على الكسل، أو حتى على مشاعر الذنب. هذه الصورة الذهنية المشوّهة تُفقد التمرين طابعه الحيوي، وتحوّله إلى واجب ثقيل لا يُلهم ولا يُمتع. غير أن الواقع مختلف تمامًا، إذ إن الرياضة في جوهرها طاقة، وحياة، ومتعة يمكن استعادتها متى تمّت ممارستها بروح الانسجام لا التحدي الصارم.
الاستمتاع بالتمرين يبدأ من إدراك بسيط: أن الرياضة ليست وسيلة لـ"تصحيح" الجسد، بل للتواصل معه. عندما تُمارس الرياضة وأنت تشعر بالقبول لجسدك، لا بالرغبة في معاقبته، تنفتح أمامك أبواب جديدة من الراحة النفسية والتحفيز الداخلي. فبدلاً من أن تركّز على ما ينقصك، تبدأ في الاحتفاء بما يمكنك فعله الآن، مهما كان بسيطًا.
ولتحقيق ذلك، يُفضَّل أن تختار نشاطًا يجلب لك البهجة لا الضغط. اسأل نفسك: هل تحب الحركة المصحوبة بالموسيقى؟ إذًا الرقص الإيقاعي أو الإيروبيك قد يناسبك. هل تشعر بالراحة في الطبيعة؟ المشي في الهواء الطلق أو ركوب الدراجة في الحقول سيكون مناسبًا لك. هل تحب التركيز والتأمل؟ اليوغا أو البيلاتس قد يكونان مثاليين. النقطة الجوهرية هنا هي: لا تتبع الآخرين، بل اتبع مزاجك.
كما أن إدخال عناصر التحفيز إلى روتينك يُضفي عليه طابعًا ممتعًا. جرّب أن تستمع إلى موسيقى تحبها، أو تابع بودكاست محفزًا خلال الجري، أو مارِس التمرين مع شخص ترتاح إليه. هذه التفاصيل الصغيرة يمكنها أن تغيّر تمامًا من تجربة التمرين.
تجنّب كذلك المبالغة في الأهداف. فالرياضة التي تمارسها ثلاث مرات في الأسبوع على نحو مستقر، أفضل بكثير من تمرين مكثف ثم انقطاع طويل. وبدلًا من أن تضع لنفسك هدفًا جماليًا فقط (مثل إنقاص الوزن)، جرب أن تركز على أهداف شعورية: تحسين المزاج، تنظيم النوم، زيادة النشاط. هذه الأهداف أكثر تحفيزًا وأقل قسوة.
عندما تتوقف عن معاملة التمرين كعقاب، وتبدأ في رؤيته كفرصة للاتصال بذاتك، ستلاحظ أن الجلسة التي كانت تبدو مرهقة أصبحت متنفسًا. وحينها، لن تحتاج إلى إجبار نفسك، لأنك ببساطة… ستشتاق إليه.
8. كيف تتجنب العقبات التي تُعيقك؟
الالتزام بالرياضة ليس مجرد قرار لحظي، بل هو مسار طويل تعترضه عوائق كثيرة، تتراوح بين ما هو مادي مثل ضيق الوقت أو غياب الموارد، وما هو نفسي مثل الملل أو تراجع الحماسة. هذه العقبات شائعة لدى معظم الناس، لكنها لا تعني أن المشروع قد فشل، بل أن المسار يحتاج إلى تعديل مرن يتناسب مع الواقع. المهم هو التعرف إلى هذه العقبات بصدق، ثم التفكير في حلول واقعية تتماشى مع طبيعتك ونمط حياتك.
لنبدأ بعقبة ضيق الوقت، وهي من أكثر الذرائع شيوعًا. لكن هل فعلاً لا تملك وقتًا؟ أم أنك تحاول حشر التمرين في جدول مزدحم دون تخطيط؟ أحيانًا تكون المشكلة في توقيت التمرين لا في مدته. جرب تخصيص عشر دقائق صباحًا أو بعد الغداء، حتى لو كنت ستؤدي تمارين خفيفة. ومع الوقت، يصبح التمرين جزءًا من إيقاع يومك، لا عبئًا يضغطك.
أما الملل فهو عدو صامت. الروتين الواحد يصيب النفس بالجمود، خاصة إذا كنت من أصحاب الشخصية المنفتحة أو الباحثة عن التنوع. جرّب كسر النمط كل أسبوع: استبدل المشي بالجري، أو جرّب فيديو تمرين جديد، أو غيّر المكان. التنويع لا يشعل فقط الحماسة، بل يحفّز عضلات مختلفة ويمنع التكرار الذهني.
ثم هناك الضغط النفسي أو الشعور بالذنب. أحيانًا، تفويت تمرين واحد يجعل البعض يشعر وكأنهم انهزموا، فيستسلمون ويتركون الخطة كلها. لكن الحقيقة أن العودة بعد الانقطاع أهم من الانقطاع نفسه. سامح نفسك، وعد بهدوء، ولو بخطوة صغيرة.
وقد تكون العقبة في غياب المحفّزات. لذلك، امنح نفسك مكافآت صغيرة: حلقة من برنامجك المفضل بعد التمرين، أو كوب عصير تحبه. لا بأس أن تقرن الجهد بالمتعة. كما يمكنك استخدام التطبيقات الذكية لتتبع تقدمك، أو تدوين إنجازاتك لتشعر بالتطور.
وأخيرًا، لا تتردّد في تبسيط العوائق نفسها. هل ملابسك الرياضية غير مريحة؟ استبدلها. هل النادي بعيد؟ جرّب التمرين في المنزل. هل وقتك مشتت؟ حدّد مواعيد ثابتة للرياضة كما تفعل مع المواعيد المهنية. كل تفصيل صغير يمكن أن يكون فرقًا كبيرًا في قدرتك على الاستمرار.
فالتحديات ستظل موجودة، لكن الطريقة التي تتعامل بها معها هي التي تصنع الفارق بين تجربة متعثرة وتجربة ملهمة.
9. التسامح مع الذات مفتاح الالتزام
في عالم مثالي، نتمتع بإرادة صلبة، نمارس الرياضة بانتظام، ونحرز تقدمًا مستمرًا دون أي انقطاع. لكن الواقع لا يسير دائمًا بهذا الشكل. هناك أيام نفقد فيها الحماسة، نغيب عن التمرين، أو حتى نمر بأسابيع كاملة دون حركة. هذه الفترات ليست دليلًا على الفشل، بل جزء طبيعي من مسار طويل يتخلله الصعود والهبوط. وهنا تحديدًا، يظهر الدور الحاسم للتسامح مع الذات في دعم الاستمرارية.
كثيرون يتعاملون مع الانقطاع عن الرياضة كما لو أنه سقوط لا يُغتفر. يشعرون بالذنب، ويجلدون أنفسهم نفسيًا، ما يدفعهم لمزيد من التراخي بدلًا من العودة. ولكن، حين ندرك أن الانقطاع المؤقت ليس نهاية الطريق، بل فرصة لإعادة التقييم، نصبح أكثر مرونة وقدرة على الالتزام. فالتساهل الواعي مع الذات لا يعني التراخي، بل إدراك أن التقدم الحقيقي يُبنى على التعافي، لا العقوبة.
في هذا السياق، من المفيد أن ننظر إلى التمرين بوصفه شريكًا في الرحلة، لا أداة للضغط. إذا فوّتّ حصة تمرين، ذكّر نفسك أن العودة هي الخطوة الأهم. يمكنك أن تبدأ من جديد، حتى لو كانت البداية متواضعة. وإذا كنت تمر بظروف استثنائية – مثل الإرهاق أو مشاكل عائلية أو ضغوط مهنية – فلا بأس في تقليل شدة التمرين أو مدته مؤقتًا، ثم العودة تدريجيًا.
وينبغي أيضًا أن نفهم أن أجسامنا ليست دائمًا في أفضل حالاتها. قد تمر بأيام تشعر فيها بثقل جسدي أو مزاجي. لا بأس أن تخفف من الوتيرة، أو تمارس تمرينًا لطيفًا بدلاً من الجلسة الشاقة المعتادة. الأهم من ذلك كله هو الاستمرار في التواصل مع نفسك، والاستماع لها لا معاقبتها.
ولتعزيز هذا التسامح البنّاء، جرب إعادة صياغة الحديث الداخلي. بدل أن تقول: "أنا كسول لأنني لم أتمرن"، قل: "أنا أحتاج إلى استراحة، وسأعود حين أكون مستعدًا". هذه الجمل البسيطة تغيّر تمامًا علاقتك بالرياضة، وتحفزك على العودة من دون خوف أو خجل.
الالتزام الحقيقي لا يصنعه الكمال، بل يصنعه التقبّل. أن تسير إلى الأمام حتى بعد التعثر، أن تعود بعد الانقطاع، أن تبدأ مجددًا في كل مرة تسقط فيها. هذا هو سرّ الديمومة.
10. اجعل شخصيتك حليفك الرياضي
عندما نبدأ ممارسة الرياضة، نميل أحيانًا إلى نسخ تجارب الآخرين أو اتباع برامج جاهزة لا تراعي خصوصيتنا. قد ننجح في البداية، لكن مع الوقت يظهر التباين بين ما نحتاجه فعليًا وما نحاول إجبار أنفسنا عليه. وهنا تتجلى أهمية جعل الشخصية حليفًا لا عائقًا. فبدلاً من مقاومة الذات، يمكن الاستفادة من سماتها لتصميم روتين رياضي متوافق، ممتع، وقابل للاستمرار.
إذا كنت من أصحاب الانبساط، لا تتردّد في الانخراط في المجموعات الرياضية، فالبيئة الاجتماعية هي وقودك الطبيعي. وإن كنت تميل للعصابية، امنح نفسك الأمان والخصوصية، وتذكّر أن كل جلسة تمرين تهدّئ أعصابك وتصفّي ذهنك. أما إن كنت من أصحاب الضمير الحي، فابنِ خطتك باحتراف، وستجد المتعة في الالتزام والإنجاز. وللمنفتحين على التجارب، لا تخف من التجريب، فكل رياضة جديدة قد تفتح لك أفقًا لا تتوقعه.
الفكرة الجوهرية هي: ليس هناك "نموذج مثالي" واحد للتمرين، بل هناك "نموذجك الخاص" الذي يُبنى على فهمك لذاتك. كلّما اقتربت من هذا النموذج، زادت فرص النجاح. وقد أظهرت الدراسة التي استندنا إليها في هذا المقال أن مواءمة الرياضة مع الشخصية لا تزيد من فعالية الأداء فحسب، بل ترفع معدلات الرضا والاستمتاع، وتقلل التوتر، وتحسّن جودة الحياة.
لا تبدأ رحلتك الرياضية من جلد الذات أو المقارنة مع الآخرين، بل من الإصغاء لصوتك الداخلي. ما الذي ترتاح إليه؟ ما الذي يحفّزك؟ متى يكون جسدك أكثر نشاطًا؟ وما الأنشطة التي تشعر بعدها بالسعادة لا الإرهاق؟
اجعل التمرين امتدادًا لطبيعتك، لا خرقًا لها. ابدأ بما تحب، وثابر بما تفهم، واحتفل بكل خطوة تتقدم بها نحو نسخة أفضل من نفسك. عندها لن تكون الرياضة مجرد "نشاط"، بل أسلوب حياة يليق بك.

 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 1001813714
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة