الصورة التي رافقتني منذ العام 2012

بقلم: دلال شحادة - كاتبة فلسطينية وناشطة اجتماعية
على حائط الغرفة في مكتبي، صورةُ رجلٍ أسمر المحيّا، ذو ملامح قوية وشعرٍ أسود.
رافقتني هذه الصورة منذ اليوم الأول لدخولي مؤسسة معروف سعد الثقافية الاجتماعية الخيرية، في الخامس عشر من شباط عام 2012.
كنتُ أسرح لدقائق كلّ يوم في تفاصيلها، أنظر بإعجاب إلى هذا الرجل، أثناء انشغالي بعملي.
حدّثتني السيدة أم مصطفى (حُسن بديع)، مديرة مدرسة صيدا الوطنية سابقًا (المدرسة التي أقفلت أبوابها عام 2017، وكانت تابعة لمؤسسة الشهيد معروف سعد)، عن مصطفى سعد بكثير من الحب. أخبرتني كيف سمّت ابنها مصطفى تيمّنًا به، وكيف كانت هي وزوجها صديقين للمناضل مصطفى سعد (أبو معروف)، وزوجها المرحوم محمد ضاهر، الذي كان يتولّى الملف الفلسطيني في التنظيم الشعبي الناصري.
كنتُ أستمع لمصطفى سعد في كل مناسبة وطنية. صوته الجهوري كان يملأ المكان، وخطابه دائمًا محمّلًا بأرقى العبارات نصرةً للشعب الفلسطيني.
استمعتُ إلى شهاداتٍ عديدة عن قوّته وعدم خوفه، عن شجاعته ووقوفه في وجه العدو الصهيوني، وعن ملاحقته العملاء في مدينة صيدا، ما جعله عرضة لأكثر من ثلاث محاولات اغتيال.
بعد محاولة الاغتيال الجبانة، التي استشهدت فيها طفلته ناتاشا، كنتُ برفقة والدي في السيارة. بكى يومها لاستشهاد ناتاشا، ولم أكن أعي حجم هذه الفاجعة في حينه.
كان والدي معجبًا بقوة مصطفى سعد، بمواجهته المستمرة للعدو الصهيوني، وبملاحقته العملاء.
ومن شهادة شخصٍ مقرّب، قيل إن مصطفى سعد كان متّقد الذكاء، ورغم فقدانه بصره بعد نجاته من إحدى محاولات الاغتيال، كان يعرف كل من يقترب منه، لمجرّد سماعه وقع خطواته، فيناديه باسمه طالبًا منه الاقتراب.
منذ ثلاثة أعوام، بدأتُ بأرشفة نشاطات مؤسسة معروف سعد منذ تأسيسها، وجمع المقالات والأبحاث المتعلقة بها ضمن ملفات. وخلال هذه العملية، وقع نظري على صورة جانبية بالأبيض والأسود لمصطفى سعد، تنطق بالوقار والهيبة. نشرتُ الصورة، فانتشرت كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي. وهي صورة مأخوذة من مقابلة مع جريدة فرنسية تناولت عمله الاجتماعي والسياسي.
ليس من السهل اختصار رجل بحجم مصطفى سعد ببضع كلمات أو بمقالة متواضعة. فالأمر يحتاج إلى بحث مطوّل في فكره، وفي شخصيته، وفي هذا البيت العريق الذي علّم وربّى على الفكر المقاوم.
لم ألتقِ المناضل مصطفى سعد (أبو معروف)، لكنني أعرفه كما لو أنني عشت معه سنواتٍ طويلة. حديث الناس عنه جعلني أصنع حواراتٍ صامتة معه، أعيش ملامح صورته بكل تفاصيلها، أستعيد حضوره في نشرات الأخبار، وحديث أبي عنه بفخر، ورهبة عباراته في خطاباته السياسية في المناسبات الوطنية، وثباته على موقفه الوطني المقاوم، رغم كل التهديدات ومحاولات الاغتيال.
وكفلسطينية، أفتخر بما قدّمه المناضل مصطفى سعد (أبو معروف) ، الذي قال: "فلسطين ليست قضية حدود، بل قضية حق وعدالة وكرامة."
قضية فلسطين هي المعيار لقياس الإنسانية، وهي البوصلة التي يوجّه المقاوم وجهه نحوها.