صيدا تنتصر لثقافتها: قراءة في نتائج الانتخابات البلدية

شهدت صيدا عُرسًا ديمقراطيًّا بامتياز، سادته روح تنافس حضارية، ووجوه شبابية نابضة بالحياة، مفعمة بالنشاط، وحضور نسائيٌّ لافت للأنظار، وخطاب راقٍ بعيد عن تعقيد الأمور. وكأن غياب سلطان القوة المفرطة قد ساهم في أن تستعيد المدينة نفسها، وثقافتها، ووجهها المتألّق الذي نعرفه.
هذا لا يعني المثالية فيما وقع من تفاصيل على الأرض وخلف الكواليس، ولكنه يعني الواقعية، بحيث لا نحسب الاستثناء، ونركّز على الوجه الإيجابي الذي نحتاجه دومًا، وربما اليوم أكثر من الأمس.
في خلاصة المشهد، لم تستأثر لائحة واحدة بالمقاعد، وكان من المتوقّع أن يختار الناخب الصيداوي من اللوائح جميعًا توليفةً هي أقرب إلى تركيبة المدينة الاجتماعية.
نعم، أصرت صيدا على الانفتاح والتنوع واحتضان الجميع، ولم تستبعد أحدًا من أبنائها أو تياراتها، حتى تلك التي نعرف جميعًا حجم التحديات التي تواجهها بعد معركة "الطوفان"، وندرك تدخل بعض الداخل والخارج لعزلها.
قالت صيدا كلمتها، وأعطت صوتها للجميع، ولم تُصغِ للخارج.
هكذا أقرأ نتائج الانتخابات بكل موضوعية، وأهنّئ أهلي جميعًا بنجاحهم في امتحانٍ أراد له البعض كسر العظم والإقصاء، ولكن ثقافة مدينةٍ عريقةٍ، متنوّعةٍ، منفتحةٍ، وبيئةٍ اجتماعيةٍ حاضنة، تختلف ولا تُخاصم، كانت أقوى من المال والتلويح بتصفية الحسابات.
أمام المجلس الجديد مهامّ كثيرة، أولها أن ينظر إلى مصالح المدينة، وأن يرى في تنوّعه قوة إضافية وفرصة لتقديم نموذج في التعاطي مع الشأن العام، يكون قدوةً لمن لا يرى إلا نفسه.
يتلخّص نجاح هذا المجلس في تغليب (نحن) على (أنا)، وأن يتعامل مع القوى الصيداوية التي لم تُمثّل في العضوية، لتُمثَّل في لجان التخطيط والعمل الميداني. فصيدا تحتاج سواعد كل أبنائها، وقوّتها كانت دومًا في وحدة صفّها.
هكذا أذكرها في أعوام ٥٨، و٦٧، و٧٢، و٧٨، و٨٢، و٨٥... أذكرها شامخةً مستعصية، لا بتفوّقها في عدّة ولا عتاد ولا عديد، ولكن بوقوفها صفًا واحدًا، وتحرّرها من قيد العبيد.
أرى في شبابها اليوم، في همّتهم، في خطابهم وحركتهم، تعويضًا أو ربما ترميمًا لما قصّر فيه جيلُنا.
وفقهم الله لتحقيق ما وعدونا به، وما وعدنا به أنفسنا في وصولهم إلى المجلس البلدي.
والله ولي التوفيق.
أ.د. صلاح الدين سليم أرقه دان