منى جبريل: تشابك الكوارث في غزة يؤثر على مناحي الحياة كافة

منى جبريل: تشابك الكوارث في غزة يؤثر على مناحي الحياة كافة

12 نوفمبر 2023
الباحثة الاجتماعية منى جبريل (العربي الجديد)
+ الخط -

فيما تتفاقم الخسائر بسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، تتناول الباحثة الاجتماعية في جامعة كامبريدج الدكتورة منى جبريل في مقابلة مع "العربي الجديد"، تفاعل العوامل الاقتصادية والكوارث المتعدّدة الناجمة عن هذه الحرب.

وهنا نص المقابلة...

*بما أن بحثك يرتبط بالاقتصاد السياسي للصحة في غزة، هل يمكن أن توضحي لنا تأثير الحرب في مؤشرات النمو والبطالة والفقر خلال هذه الفترة؟

تصل نسبة البطالة بين الشباب في غزة هذا العام إلى 70 في المائة، بينما يبلغ المعدل العام للبطالة 46 في المائة. ومن المتوقّع أن ترتفع هذه النسبة نتيجة العدوان الإسرائيلي. ولا يمكن الحديث عن كارثة واحدة، فهناك كوارث متعددة في غزة اليوم. وستتجلى جميع التداعيات المرتبطة بالعمل والتعليم بعد انتهاء الحرب.

أمّا في الوقت الحالي، فنشهد ارتفاع أسعار السلع الأساسية من الطعام والوقود والكهرباء. يعني على سبيل المثال، عوضاً عن شراء ربطة الخبز بـ 4 شيكل والحصول عليها بعد يومين، يضطر الناس إلى دفع 20 شيكلاً للحصول عليها فوراً، ذلك إن توافرت. ويجد الكثيرون أنفسهم عاجزين عن شراء احتياجاتهم الأساسية، في ظلّ تعطّل القطاع بأكمله، بما في ذلك البنوك ومحالّ الصرافة، علاوة على صعوبة أو استحالة تحويل المغتربين الأموال إلى أهلهم.

وقد نزح الناس من بيوتهم وخسروا أعمالهم ولم يبقَ لديهم مصدر رزق حتى باتوا عاجزين عن شراء أبسط مقوّمات الحياة لإعالة عائلاتهم. وبالتالي نجدهم يبحثون عن وسائل بديلة منها على سبيل المثال تؤثر في النظام الاجتماعي. أما الناس الذين لا يزالون يملكون القدرة على الشراء، فيعانون للحصول على الطعام مع نقص المواد الغذائية في معظم المحلات.

*ما القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي تأثرت كثيراً خلال الحرب؟

دمار البنية التحتية أثّر في جميع القطاعات، وبات هناك كوارث متعددة تجاوزت الطاقات وأثّرت في جميع مناحي الحياة، نتيجة الحصار الشامل على الغذاء والمياه والخدمات الصحية والنظام المدني وانقطاع الكهرباء والاتصالات وعجز الناس عن طلب المساعدة. فمن الناحية الاقتصادية، دُمرت أحياء بأكملها بمنازلها ومحالها، مثل منطقة الرمال المكتظة بأسواقها التجارية.

ولا يخفى على أحد كيف كانت أوضاع الناس في غزة في ظلّ الحصار المفروض عليهم منذ سنوات. نسبة كبيرة من أهالي غزة استثمرت كل ما تملك لبناء سكن أو تقسيط شقة أو فتح باب رزق، بيد أنّ الحرب دمّرت كلّ ما حققوه.

وفي المنطقة الشمالية، حيث اختار حوالى 400 ألف شخص البقاء، قُصفت المخابز ومحالّ الصرافة والبنوك والبقالة. لغاية اللحظة، استطاع الناس تدبير أمورهم اليومية، باعتمادهم على ما وفروه من مؤونة في مساكنهم. لكن الوضع لن يبقى على هذا الحال مع استمرار محدلة الحرب، وسيجد هؤلاء أنفسهم عاجزين عن توفير أساسيات الحياة.

أما من الناحية الطبية، فلم يستثنِ العدوان الإسرائيلي الصيدليات والمستشفيات بطواقمها الطبية، وأتلفت صواريخه الأدوية، في وقت حاجة الناس إليها، وبينما يرزح الأطباء والممرضون تحت ضغوط تفوق قدراتهم. حتى المدارس ودور التعليم وموظفوها طاولتهم نيران الحرب، فخسر أساتذة وظائفهم ومعداتهم التعليمية مثل الكومبيوترات التي يستحيل تعويضها حالياً.

*تحدّثت عن تشابك الكوارث، كيف لذلك أن يؤثر في الحياة اليومية في المناطق المتضررة؟

غزة ليست كبيرة، ما يعني أنّ حرباً بهذا الحجم أثّرت في القطاع بأكمله، من زراعة وصناعة وتجارة وبيئة، وتضرّرت جميع المرافق. إلى جانب استشهاد ما يزيد على عشرة آلاف شخص وعشرات الآلاف من الجرحى، وصف لي أناس من غزة، سماع أصوات أشخاص تحت الأنقاض وبقاء الموتى في الشوارع، نتيجة ضعف إمكانات استخراج الجثث.

ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الوضع إلى انتشار الأمراض. كذلك ألفت إلى حالة أهالي غزة، الذين باتوا يعانون من صدمات نفسية لكثرة ما شاهدوا من أشلاء جثث في الشوارع. يأتي ذلك في وقت تنقطع الاتصالات ويعجز الناس عن استخدام الهاتف، كذلك أحياناً في حال توافُر الاتصال، يعجز الناس عن شحن جوالاتهم لانعدام الكهرباء. ويفشلون أيضاً في الوصول إلى الدعم النفسي المناسب.

*كيف ترين تداعيات هذه الحرب على اقتصاد إسرائيل؟ وما مدى فعالية استخدام سلاح المقاطعة؟

أولاً، من الطبيعي أن تتراجع السياحة أو تتوقف كلياً نتيجة الحرب. أمّا عن الحملات التي تحثّ الناس على مقاطعة البضائع الداعمة لإسرائيل، فيعتمد ذلك على نسبة المقاطعة لها، ما يزيد من قدرتها على التأثير.

أود أن ألفت أيضاً إلى أنّه خلال الفترة الأخيرة منذ حوالى عامين تقريباً، وفي ظلّ البطالة المتفشية في غزة، بدأ حوالى 18500 من العمال المقيمين في غزة العمل في إسرائيل، لكنّ الحرب الدائرة اليوم أدّت إلى اعتبارهم تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي وخسروا وظائفهم. وقد يكون لذلك تأثير اقتصادي، ليس فقط في هؤلاء العمّال، بل في الاحتلال أيضاً.

ودخلت إسرائيل الحرب باحتياطيات بقيمة 200 مليار دولار ومساعدات بقيمة 14 مليار دولار، معظمها للتمويل العسكري، من الولايات المتحدة. ومع ذلك، يقول الخبراء إن الصراع المستمر سيكلف الاقتصاد الإسرائيلي مليارات إضافية، وسيستغرق وقتًا أطول بكثير للتعافي.

المساهمون