لماذا سارع الغرب لدعم إسرائيل؟ / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

تتوالى زيارات القادة الغربيين على إسرائيل، منذ انطلاق "طوفان الأقصى" في الـ 7 أكتوبر/ تشرين الثاني، من أجل تأكيد دعمهم لتل أبيب، رغم ما تمارسه من عدوان ضد المدنيين في غزة.

وفي إحدى أحدث هذه الزيارات، حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتل أبيب، يوم الثلاثاء، حيث تباحث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وذهب بعيداً خلال مؤتمرهما الصحفي، حين قال: "فرنسا مستعدة لأن يحارب التحالف الدولي ضد داعش، الذي نشارك فيه في عمليات في العراق وسوريا، حماس أيضاً".

واعتبر عدة محللين فرنسيين، أن تصريحات الرئيس "انزياح خطير" على الموقف الفرنسي التقليدي بشأن القضية الفلسطينية، والذي لطالما كان داعماً لحل الدولتين والاستقرار في الشرق الأوسط. وهو نفس الانزياح الذي انتقده عدد من النواب الأوروبيين، حينما أعلنت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين دعم الاتحاد الـ "لا مشروط" لإسرائيل في حربها، مطالبين باستقالتها الفورية.

بالمقابل، يطرح هذا الانحياز الغربي لإسرائيل، سواء من قبل أوروبا أو الولايات المتحدة، أسئلة كبيرة حول مصالح هذه الدول، والدوافع الرئيسية التي تقبع خلف مسارعتهم لحمايتها سياسياً وعسكرياً.

ضغوط انتخابية ومخاوف

يعد الهاجس الانتخابي من بين الأسباب الرئيسية التي تقف وراء مسارعة النخب الغربية للانحياز لإسرائيل ودعمها، حسب محللين. إذ في دولة مثل ألمانيا، التي كانت مسرح جرائم الإبادة التي شهدها اليهود على يد النظام النازي، يعتبر 57% من الألمان أن بلادهم مسؤولة بشكل خاص اتجاه سلامة إسرائيل، وفق آخر الاستطلاعات، مقارنة بـ 33% في عام 2012.

بينما الوضع في فرنسا لا يختلف كثيراً عن نظرائهم الأوروبيين، حيث يدعم نسبة كبيرة من الفرنسيين رد الفعل الانتقامي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وفق ما أوضحت استطلاعات رأي لقناة "BFMTV".

وتدخل هذه الأرقام في حسابات النخب السياسية الأوروبية، بحيث يتفادون أن تكلفهم الكثير انتخابياً. كما يتفادون أن تستعمل مواقفهم كأداة ابتزاز سياسي من قبل خصومهم، مثل الحملة التي يشهدها حزب "فرنسا الأبية" لرفضه إدانة المقاومة الفلسطينية، وهو ما عرضه لانتقادات واسعة واستهداف إعلامي.

وتنفق إسرائيل ملايين الدولارات على لوبياتها ومنظماتها الرقابية في أوروبا، من أجل ملاحقة والتشهير بالسياسيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. وحسب بروفيسور علم الاجتماع السياسي في المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف، ريكاردو بوكو، فإن "أدوات إسرائيل الرقابية تلعب دور كلاب حراسة، إذ تعمل في الكواليس على عمليات تضليل إعلامي واسعة، كما تقوم بعمليات تشهير ضد الأفراد والمؤسسات التي تناضل من أجل حقوق الإنسان في فلسطين".

ومن جانب آخر، يتطلع القادة الأوروبيون بأن يلعب إعلان دعمهم لإسرائيل، دوراً رادعاً للأطراف الإقليمية من أجل الدخول في الحرب وتوسيع رقعتها، وبالتالي موجة لاجئين جديدة. وهو ما يؤكده أيضاً مقال رأي على موقع "بلومبيرغ"، إذ يوضح بأن "قادة الاتحاد الأوروبي يخشون من أن تؤدي حرب إقليمية إلى موجة جديدة من اللاجئين الذين يطلبون اللجوء في أوروبا".

شراكات اقتصادية مهددة

ويعد الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأكبر بالنسبة لإسرائيل، حيث 32% من الواردات الإسرائيلية هي من الاتحاد الأوروبي و25.6% من صادرات إسرائيل تذهب نحوه، برقم معاملات إجمالي ناهز الـ 47 مليار يورو عام 2022، وفق أرقام الموقع الرسمي للبرلمان الأوروبي.

والأمر لا يختلف أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة، إذ تكشف إحصاءات الحكومة الأمريكية بأن رقم المبادلات التجارية بين تل أبيب وواشنطن يبلغ 50 مليار دولار سنوياً. كما تربط البلدان عدة اتفاقات شراكة اقتصادية، أهمها اتفاقية التبادل الحر الموقعة عام 1985.

وبحسب مقال سابق لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تشهد هذه الشراكات الاقتصادية بين الدول الغربية وإسرائيل تهديدات، ذلك بعد توسيع هذه الأخيرة علاقاتها الاقتصادية شرقاً، مع الهند وروسيا ودول الخليج، حيث "أصبح لدى إسرائيل عدد أكبر من الشركاء الاقتصاديين والدبلوماسيين مقارنة بأي وقت مضى".

وشهدت المبادلات التجارية بين الهند وإسرائيل قفزة كبيرة ما بين 2022 و2023، حيث انتقلت في عام واحد من 1.6 مليار دولار إلى 5.5 مليار دولار، وارتفعت الصادرات الهندية نحو تل أبيب بنسبة 77%.

مصالح استراتيجية تاريخية

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن التحالف مع إسرائيل مصلحة استراتيجية تاريخية. وهو ما عبّر عنه جو بايدن، في مؤتمر صحفي له عام 2013، قائلاً: "إن وجود إسرائيل مستقلة وآمنة على حدودها ومعترف بها من قبل العالم هو في المصلحة الاستراتيجية العملية للولايات المتحدة الأمريكية (...) إذا لم تكن هناك إسرائيل، فسيتعين علينا (أمريكا) أن نخترع إسرائيل للتأكد من الحفاظ على مصالحنا (في منطقة الشرق الأوسط)".

وتعد حرب 1967، نقطة التحول إسرائيل إلى "مسمار جحا" الأمريكي في المنطقة. وهو ما يؤكده أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد جويل بينين، بقوله: "في حرب 1967 إسرائيل هزمت العرب في ستة أيام دون أي مساعدة عسكرية أمريكية (...) وهو ما جعل المسؤولين الأمريكيين يقولون: هؤلاء الرجال جيدون. نحن في حالة فوضى في فيتنام، دعونا نكون متصلين بهم! وهكذا تطورت الأمور تدريجياً مع مرور الوقت".

ويضيف بينين، بأن هذا الدور الذي تلعبه إسرائيل لصالح أمريكا ظهرت ثماره عقب هجمات الـ 11 سبتمبر، فمع تشكك لولايات المتحدة في حلفائها التقليدين العرب والمسلمين، اعتمدت بشكل أكبر على إسرائيل بناءً على تصور مفاده أن لديهما المزيد من القيم والمصالح المشتركة.

وحتى قبل تلك الأحداث، وخلال الحرب الباردة، كانت تلعب إسرائيل نفس الدور بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، الاختلاف فقط هو أن الحرب وقتها كانت ضد الشيوعية، وكانت واشنطن تنظر لتل أبيب كحصن متقدم في مواجهة المد الأحمر في عدد من دول المنطقة.

وهو ما يؤكده مقال لديفيد بولوك، الزميل في مؤسسة "معهد واشنطن"، كتب فيه: "خلال ذروة الحرب الباردة، أصبح يُنظر إلى الدولة العبرية في واشنطن على أنها حصن ضد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط ومواجهة للقومية العربية. ورغم أن العالم تغير منذ ذلك الحين، إلا أن المنطق الاستراتيجي للتحالف الأمريكي الإسرائيلي لم يتغير".

وحسب الخبراء فإن مصالح واشنطن الاستراتيجية في تل أبيب تتعدد بدءا من تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون في مكافحة الإرهاب، إلى الجهود المشتركة في الدفاع الصاروخي والمركبات الجوية غير المأهولة. ووفق تقرير لمؤسسة "معهد واشنطن"، أصبح الجيش الأمريكي يعتمد بشكل متزايد على الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، بما فيها أنظمة الحرب السيبرانية وتكنولوجيات التجسس.

TRT عربي
الأكثر تداولاً