منذ ما قبل الأزمات المتلاحقة، والتي تمتدّ من عام 2019 (جائحة كورونا)، وصولاً إلى الأزمة المالية الحالية، «كان موقع لبنان متدنياً على المقياس العالمي لفعّالية سنوات التعليم، إذ لا يحصّل التلامذة أكثر من 6.3 سنوات من أصل 12 سنة تعليمية فعليّة خلال مسيرتهم المدرسية في التعليم الخاص، و4.8 سنوات في التعليم الرّسمي»، بحسب مركز الدراسات اللبنانية. ويضيف تقرير المركز «تقلّص العام الدراسي من 170 إلى 120 يوماً لأسباب إدارية عام 2016، ومن ثمّ تدنّت أيام التعليم في المدارس الرّسمية إلى 60 يوماً بسبب الأزمات، فيما المتوسّط الدولي يُراوح بين 170 و180 يوماً، ما يعني خسارةً وصلت إلى حدود 3 سنوات تعليميّة خلال جائحة كوفيد وبعدها».
(هيثم الموسوي)


الامتحان كيفما كان
ورغم سوداوية هذه الأرقام، انطلق العدّ العكسي لإجراء الامتحانات الرّسمية مع سبق وزير التربية عباس الحلبي الصحافي، وتمّ تحديد مواعيدها في السّادس من تموز للشهادة المتوسطة، والعاشر منه لشهادة الثانوية العامة، بفروعها الأربعة. وترافق إعلان الحلبي مع إصدار المركز التربوي «الدروس والموضوعات المطلوبة للعام الدراسي الحالي حصراً»، أو ما يُعرف بـ«تقليص المنهج»، الذي قصّ أكثر من 50% من محتوى بعض المواد، وأعاد العمل بالمواد الاختيارية بشكل مطابق لما جرى خلال العام الدراسي الماضي. يحصل هذا من دون أن «تتتبّع وزارة التربية خرّيجي سنوات الدمار التربوي الشامل في الجامعات، وتحصيلهم»، بحسب اختصاصية تربوية ترى «ضرورة تمديد العام الدراسي على قدر أيام الإضراب، لا تقليص المناهج، وحذف الأهداف»، سائلةً: «كيف يتخرّج التلميذ في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، من دون أن يطّلع على درس دالّة الاستهلاك ودراسة الجدوى في مادة الاقتصاد؟»

إضراب وتعليم
ولكن يبدو المشهد القادم من المدارس الرّسمية والخاصة، وكأنّه آتٍ من كوكبين مختلفين. في القطاع الخاص، استعداد شبه تام للامتحان الرّسمي، بل وإعادة للمعلومات مع إنجاز المنهج المطلوب، فالتعليم متواصل، من دون أيّ انقطاع. أما القطاع الرّسمي، فمنهك من الإضرابات المطلبية لأساتذته، والتي لا تزال تقضم من الأيام التدريسيّة في بعض الثانويات، مع إصرار أساتذتها على الامتناع عن التعليم، ما سيفاقم التفاوت في التحصيل الدراسي للتلامذة حتى على مستوى المدارس الرّسمية، ولا سيّما بين تلك المستمرّة في التحرّكات، وغير الملتزمة نهائياً بالإضرابات.
في المحصّلة، يتسابق بعض أساتذة الثانويات الرّسمية مع الوقت لإنهاء المطلوب من المنهاج المقلّص، على أن تنتهي المهلة المتبقية في النصف الأول من شهر حزيران القادم. وينقسم أساتذة المواد بين متمكّن من إنهاء المحتوى المطلوب، ومن يصرخ بأنّ التقليص والوقت المتبقي لا يتناسبان أبداً، فالمدّة المتبقيّة قصيرة جداً، والمحتوى كبير. أمّا أكبر المتضرّرين من الأساتذة، فهم مدرّسو مادتي الاجتماع والاقتصاد لصف الشهادة العامة في الاختصاصين، إذ يقول أحدهم: «واقفين على شوار، وقد لا نصل إلى نهاية البرنامج».

قلق فرع الاجتماع
تشكّل مادة علم الاجتماع صداعاً للأساتذة، والتلامذة، واللجنة المعنيّة بمتابعتها، إذ لم يُحذف منها سوى درسين فقط، وبقي 16 درساً. «ترابط محاور المادّة يتسبّب بالحدّ من إمكانية تقليص المحتوى، فالموضوعات متصلة» تقول أستاذة من قلب لجنة المادة في المركز التربوي. وهذه اللجنة «لا تحبّذ حذف الدّروس من المحاور، لأنّ كلّ واحد يحتوي على درسين فقط، ما يبقي في حال التقليص درساً واحداً لكلّ محور».
أكبر المتضرّرين هم مدرّسو مادتي الاجتماع والاقتصاد لصف الشهادة العامة


«أنهينا في الفصل الأول من العام الدراسي، قبل الإضراب، 4 دروس فقط من 16، ويبقى 14 درساً، وكلّ واحد منها يحتاج أقلّه إلى 4 حصص، وهذا للشرح فقط، من دون التطبيق، فيما يبلغ عدد الحصص التعليميّة 4 أسبوعياً» تقول أستاذة مادة علم الاجتماع روى فرحات، التي «تأخذ حصصاً إضافيةً من أساتذة المواد الاختيارية، ليصل مجموع ما تعلّمه أسبوعياً إلى 8 حصص، كي تتمكّن من إنهاء المطلوب». تصف فرحات ما تقوم به بـ«سلق المنهاج». أمّا الحلّ الآن، فـ«يعتمد على الملخّصات التي تحتوي على المفاهيم الأساسية، والأسئلة الأكثر تكراراً في الامتحانات، وبغير هذه الطريقة لا إمكانية لإنهاء المادة».

راحة وأسف
إلا أنّ هذا السّيناريو الكارثي لا ينسحب على بقية المواد، إذ يُجمع أساتذة المواد العلميّة لصفوف الشهادات بفروعها الأربعة على «تمكّنهم من إتمام المطلوب خلال الفترة المتبقّية من العام الدراسي». ولكن يحذّر أحد أساتذة مادة الرّياضيات من «ضرب شخصية التلميذ العلميّة بسبب هذه التقليصات، إذ تؤدّي إلى خسارة جيل بكامله لمستواه التعليمي، وهذا ما ستثبته لاحقاً التجارب التربويّة». ويلفت إلى «أنّ خسارة الأساتذة لإمكانية التطوّر المهني ستنعكس أيضاً على مستوى التلامذة، إذ يحدّ الوضع الاقتصادي المتدهور من قدرة الأستاذ على مواكبة أيّ تطوّر علمي».