اتفق ممثلو أصحاب العمل مع ممثلي العمّال على أن تقرّ لجنة المؤشّر زيادة غلاء معيشة على الحدّ الأدنى للأجور ليصبح 4.5 مليون ليرة، وزيادة بدل النقل اليومي إلى 125 ألف ليرة، ومضاعفة المنح المدرسية ثلاث مرّات، والتعويضات العائلية 3 مرات. ويفترض أن يعلن رسمياً هذا الاتفاق الأسبوع المقبل في اجتماع اللجنة، إلا أن إقراره وتنفيذه يتطلب مرسوماً يصدر عن مجلس الوزراء، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الظروف الراهنة.هذا الاتفاق على تصحيح الأجور هو الثالث منذ الانهيار. وهو هزيل بشكل كبير قياساً على ما يمكن لأصحاب العمل أن يقدّموه بعدما أقدموا على الدولرة النقدية لكل السلع المنتجة في مصانعهم والمبيعة من مخازنهم وعلى رفوف متاجرهم. ففيما ازداد سعر الدولار 29 مرّة من 1500 ليرة إلى 43 ألف ليرة، فإن الحدّ الأدنى للأجور سيزيد بموجب الاتفاق الأخير من 675 ألف ليرة في 2018 إلى 4.5 مليون ليرة، علماً بأنه كان 2.6 مليون ليرة شهرياً بعد الزيادة الأخيرة ومليون و325 ألف ليرة في الزيادة الأولى. وبدل النقل سيصبح 125 ألف ليرة مقابل 8 آلاف ليرة سابقاً، و95 ألف ليرة في الزيادة الأخيرة و65 ألف ليرة في الزيادة الأولى.
بعبارة أوضح، الاتفاق الأخير يعني أن الحدّ الأدنى لمجموع دخل الأجير سيزداد من 835 ألف ليرة (الحد الأدنى مضافاً إليه 8 آلاف ليرة عن 20 يوم عمل)، إلى 7 ملايين ليرة. وستُترك بقية الشطور ليتم تصحيحها بالتراضي بين صاحب العمل والعامل. والتراضي هنا يعني نفوذ صاحب العمل على العمّال.
ولا يختلف تفاهم مُمثّلي أصحاب العمل والعمال عمّا سبقه، فهو لا يعدو عن كونه ترقيعة جديدة لا صلة لها بأيّ تصحيح فعلي يُعوّض خسارة العامل في قدرته الشرائية، مع تضخّم الأسعار منذ مطلع 2019 لغاية تشرين الثاني 2022 إلى 1670%. وبدلاً من بناء أي تصحيح للأجور على الأرقام الواقعية للتضخّم وقدرة العامل على تأمين حاجاته الأساسية في الحدّ الأدنى، تستمرّ قوى السلطة وممثلوها لدى هيئات العمل والعمال، في المماطلة والترقيع لحماية أصحاب العمل من تحمّل كلّفة التصحيح الفعلي، وتمكينهم من المحافظة على هوامش الأرباح ذاتها التي كانوا يحققونها قبل الانهيار.
ورغم أن الاتفاق ليس سوى ترقيعة إضافية، إلا أن تطبيقه أيضاً ليس مضموناً خلال وقت قريب. فهو يحتاج إلى إقراره في مجلس الوزراء وإصدار مرسوم وزراي. أي انعقاد مجلس الوزراء للموافقة عليه. وهذا أمر غير متاح بسبب الأزمة السياسية حول دستورية انعقاد حكومة تصريف أعمال في ظل شغور موقع رئيس الجمهورية. وفي ظلّ تعذّر الانعقاد، هناك خيار آخر مطروح، هو إصدار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مرسوماً استثنائياً، يجري التسوية عليه لاحقاً عند انعقاد مجلس الوزراء، لكن ليس واضحاً إن كان ميقاتي في وارد القيام بذلك.
في هذا الوقت، إن إدارة الأزمة والانحدار المتعمّد يأكل ما تبقى من قدرة شرائية للعمال بل سيلغي مفاعيل الزودة الجديدة قبل إقرارها.