أدخل إقرار وزير التربية عباس الحلبي بعدم وجود أموال لدفع الحوافز الاجتماعية (130دولاراً) شهرياً للأساتذة، والذي كان يعدّ واحداً من الوعود التي كانت الروابط تشترط تحقّقها للاستمرار بالتعليم، العام الدراسي في مرحلة الخطر. خرجت الأمور من يد الروابط قبل عطلة عيدَي الميلاد ورأس السّنة، وأضربت أكثرية الهيئات التعليمية في المدارس الرسمية بشكل فردي، ما أدّى إلى شلّ العمليّة التعليميّة جزئياً أو كلّياً بحسب شكل التحرّك، وخيّم شبح امتداد هذه التحرّكات إلى عام 2023 وتطيير العام الدراسي. الأمر الأخير دفع بوزير التربية إلى «الاستنجاد بالمكاتب التربوية» والاجتماع برؤسائها.
الاجتماع المرفوض
إلى هذا الاجتماع، يحيلك كلّ المتابعين للشّأن التربوي لدى سؤالهم عن «وضعية العام الدراسي الجاري». اجتماع يعتبره علي خليل الطفيلي، مقرّر فرع بعلبك في رابطة الثانوي «توجهاً نحو أولياء أمور الروابط». برأيه «هذا هو سقف روابط التعليم الذي لا يمكنها أن تخرقه»، أمّا الهدف فهو «الضغط على الأساتذة والهيئات التعليمية استباقاً لأيّ تحرّك مقبل». يوافق التيار النقابي المستقل، على لسان القيادي فيه علي أسعد الطفيلي، على الوصف الأول للاجتماع، ويشير إلى «ظهور الموقف الحقيقي لأسلوب التفكير في الوزارة والأداء النقابي من خلال اللقاء، ذلك أنّ القرار الفعلي موجود في المكاتب التربوية»، ويصف المشهد بـ«المؤسف».
يتخوّف الأساتذة من فكرة «ممارسة الروابط لعبة تضييع الوقت، والتسويف، لتمضية العام الدراسي كيف ما كان»، ويذكّرون بضرورة «العودة إلى القواعد بعد انتهاء مدّة التفويض الذي أُخذ حتى شهر كانون الأول، خصوصاً أنّ الغلاء يأكل الرواتب والزّيادات الزهيدة عليها، ما يجعل من إعادة افتتاح المدارس يوم الإثنين المقبل أمراً مستحيلاً، وإن حصل فلن يكتمل العام الدراسي في كلّ المدارس بشكلٍ متساوٍ».

المشهد التربوي العام
في المشهد التربوي، اجتمعت رابطة التعليم الثانوي أول من أمس بغياب الأعضاء الثلاثة المحسوبين على حزب الله. خلال الاجتماع، لم تحضر «الملفات السّاخنة»، بل «وُضع الحاضرون في جوّ مؤتمر الدولية للتربية في الأردن» وفقاً لأحد أعضاء الرابطة. وفي نهاية الاجتماع، وبعد مطالبة أحد الأعضاء بـ«القيام بحركة ما تجاه الأساتذة المقهورين»، جرى الاتفاق على «عرض فكرة تقليص الدوام على بقية الروابط لتفعليها». ويعيد المصدر السّبب في عدم أخذ القرار بذلك في رابطة الثانوي لـ«ضعفها، وتجنّبها تحمّل المسؤولية وحدها»، متوقّعاً أن لا توافق بقية الروابط على تقليص الدوام، «لمعارضة مرجعياتها السّياسية الفكرة من أساسها، وبالتالي ستعمّ الفوضى في المدارس الرّسمية بسبب عودة التحرّكات الفرديّة».
على مستوى الوزارة، يؤكّد المصدر ذاته «غياب الحوافز»، ولكنّه يشير إلى «عدم انقطاع الأمل في التفتيش عن مصدر للتمويل» من دون أن يستبشر خيراً. فالطرح الجدّي الوحيد الذي يمكن أن يتحوّل إلى فعل هو «إعطاء الأساتذة بدل إنتاجية عن كلّ يوم عمل»، والمبلغ المقترح «يُراوح بين 250 و300 ألف يومياً»، ودون ذلك عقبات أهمّها «موافقة الحكومة المستقيلة، وإصدار المراسيم اللازمة لذلك».

والملل النقابي
يوصّف نقابي آخر حال المراوحة التي تعيشها الروابط بـ«الملل إلا لا جديد على كلّ المستويات» بالإضافة إلى «استمرار مقاطعة حزب الله لاجتماعات الروابط، وبالتالي عدم المشاركة في القرار». وفي استطلاع «الأخبار» للأساتذة الحزبيّين لمعرفة نتائج هذا الاجتماع مع الوزير نجد أنّ معظم المكاتب «لم تبلّغ أساتذتها بأيّ شيء، ولا يزال المعلّمين في حيرة حول كيفية التصرّف يوم الإثنين المقبل». لا يخرق حالة الملل هذه سوى مقابلات وزير التربية التلفزيونية، التي «يجيد استخدامها سلاحاً في حربه على الأساتذة» بحسب متابعين، ففي آخر إطلالة له يؤكّد أنّ «دفع الحوافز للأساتذة فيه خرق لقانون الموازنة العامة، المادة 111 تحديداً، فمقابل دفع الرواتب الثلاثة للأساتذة (راتب + راتبان مساعدة)، سيحسم منها أيّ تقديمات تدفع من خارج موازنة الدولة، ما يعني سقوط الحوافز بالضربة القاضية»!
يردّ نقابيون على الوزير بأنّ «الراتب المضروب بـ3 كان يصحّ في كانون الأول 2019، عندما ناهز سعر الصرف الـ4500 ليرة لكلّ دولار، لا اليوم». أمّا مقرّر فرع بعلبك في رابطة الثانوي، فيرفض كلام وزير التربية حول «طلب المزيد من التضحيات من الأساتذة»، معتبراً أنّ «استكمال العام الدراسي على جثث الأساتذة مرفوض، فراتب أستاذ التعليم الثانوي لا يصل إلى 220 دولاراً على منصة صيرفة، وهذا لا يكفي لدفع الفواتير الأساسية، سيّما مع تضخم الأسعار».

حاصل تعليمي متفاوت
وفي المناطق، تتزايد نقمة الأساتذة على روابطهم أولاً، والأحزاب التي تديرها ثانياً، ويشيرون إلى تفشيل كلّ خطوات التحرّك قبل العطلة، فالتحرّكات الفردية تسقط بعد مدّة قليلة وفعاليتها ضعيفة، والدليل الأبرز هو تحرّك أساتذة قضاء عاليه الذين «يعزّ عليهم عدم تجاوب بقيّة المناطق مع تحرّكهم» بحسب هشام شيّا الناشط النقابي في المنطقة، الذي يؤكّد «أنّ أساتذة القضاء لا يدافعون عن أنفسهم فقط». بالإضافة إلى ما سبق، فهذه التحرّكات تتسبب بفوارق تعليمية كبيرة لدى تلامذة المدارس الرسمية، فالحاصل التعليمي يتفاوت بين منطقة وأخرى، حيث تحصل الإضرابات يتأخر إتمام الدروس المطلوبة، بينما هناك تلامذة يحصّلون المطلوب منهم وكأنّ أمور أساتذتهم على خير ما يرام». هذه الصّورة يعيدها الأساتذة إلى «خردقة العمل الحزبي للنقابي، ومنع التحرّكات الاحتجاجية من التمدّد».
رغم كلّ ذلك، يؤكد نقابيون من أساتذة التعليم الثانوي على العودة يوم الإثنين إلى الصفوف ولكن «العام الدراسي سيغدو أعرجاً في حال عدم تحقّق مطالبنا، وإهمال الروابط لها، إذ إنّ العودة إلى التعليم لن تكون تامّة، بل جزئية ليوم أو يومين أسبوعياً».


التعليم الخاص في خطر أيضاً
يحذّر نقيب المعلّمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض، في اتصال مع «الأخبار» من الخطر الذي يحوم فوق العام الدراسي في المدارس الخاصة، فـ«أساتذة التعليم الرّسمي ضُربت رواتبهم بـ3، بينما الأستاذ في الخاص لا يزال راتبه على حاله». ويشير إلى «ضرورة العودة إلى قاعدة وحدة التشريع في التعامل مع الأساتذة في القطاعين الخاص والرّسمي»، مؤكّداً «عدم الحاجة لأكثر من قرار وزير التربية ورئيس الحكومة، فهذه التعديلات لا تكلّف الدولة شيئاً».
أمّا المشكلة الأكبر لدى النقابة فتتعلّق بالأساتذة المحالين إلى التقاعد الذين يقبضون تعويضاتهم على شكل «شيكات غير قابلة للصرف لا كاملةً ولا تقسيطاً» وفق محفوض. وفيما يؤكد على «ضرورة تعديل المعاشات التقاعدية التي لا تزيد عن المليون ونصف المليون»، يتساءل عن «قدرة المتقاعدين على دفع تكاليف معيشتهم بهذه الرواتب الزهيدة».