الشهاب في الآداب العليا و (نصيحة في الأدب)!
ليس الأدب يا حضرات كما يظن بعض الناس مجموع قصص تتلى للفكاهة أو أساطير تنقل في المسامرات أو منظوم من القريض يمتاز بحسن الإستعارة بورقة التشبيه مع مراعاة المحسنات اللفظية والمعنوية من الجناسات ونحوها من فنون البديع أو منشأت ورسائل تتضمن أطراء في المدح؟ أو مغالات في القدح؟ لا- و أن جميع هذا بمجرده لا يتصل بمعنى من معاني الأدب؟ وهنا (حد قد يقول في ذلك رؤية فلسفية – جديدة – تناثر فيها عقد الشهاب)؟
نعم يا حضرات! إنما الأدب في كل أمة هو الفن الذي يقصد به تهذيب عاداتها! وتلطيف إحساسها! وتنبيهها الى خيرها لتجتلبه! و إلى ما يخشى من الشر فتجتنبه!
فالأدباء في الحقيقة هم ساسة أخلاق الأمم! بل هم أجنحتها تطير بهم إلى ذروة فلاحها! فإنهم بما يعلمون من طرق التفهيم يمكنهم أن يقربوا إلى العقول ما يبعد عن إدراكها ويسهلوا على الأذهان ما يعسر عليها النظر فيه ويعبّروا عن المعنى الواحد بالطرق المختلفة فتستفيد منه العامة، ولا تنكره الخاصة، فيأخذون على الظالم ظلمه، ويعظونه بسوء عواقب الظلم، وينكرون على الفاجر فجوره، ويحذرونه مغبة الفجور حتى يردوا كُلاًّ عن غيِّه بما يرضون من طبعه بدون أن يقولوا له إنك ظالم أو فاجر؟
وإذا رأوا في أمتهم عوائد يأباها سليم الذوق، أو وجدوا منها أخلاقاً وأعمالاً لا ينطبق على شريعة الفضل، وقوانين الشرع، عمدوا إلى تغيير العوائد، وتطهير الإعراق، وأخذوا في ذلك سبلاً متنوعة في إنشاتهم تارة بالقصص والحكايات، التي تمثل شناعة الرزيلة وبهاء الفضيلة وما آل إليه أمر المتدنسين بالأولى وما ارتقى إليه حال المتحلين بالثانية، وتارة بقريض الشعر يخيلون فيه ما يحّرك الهمم، ويبعث الأفكار وينبه خواطر الكمال، و إحساسات الشرف الصحيح، لا ما يوقظ و يقوّي الغرور، ويخرج الأنفس عن أطوارها.
والأخذ بالأدب كذلك من وجهه، والدخول إليه من بابه، وهو الذي صعدت به بعض الأمم إلى أوج المجد! وبلغت به أقصى غايات الرفعة! وهو الذي وصل بالأمم إلى ما وصلوا إليه مما لا يخفى على ذي بصيرة!
وإنّا نتأسف على ما نراه من أدباء البعض؟ وشعرائهم؟ فإنهم يقصرون منشاتهم وأشعارهم على ما يكون عدّ الصفات إما مذمومةٌ أو محمودةٌ ونسبتها إلى شخص يريدون منه ذمة أو مدحه؟ ويحرصون رواياتهم في حكايات مضحكة وقصص هزلية وبعض تواريخ ماضية بدون أن يلاحظوا تأثير ما يكتبون وما ينقلون في أفكار الأمة و حضارتها، ورجاؤنا فيهم أن يسلكوا مسالك أدباء الأمم المتقدمة أو المعاصرة لهم حتى يكون للأمة الإسلامية والعربية نصيب من فوائد ذكائهم وفطنتهم (وسعة) بيانهم وطلاقة ألسنتهم وأن يأخذوا في منشاتهم وأشعارهم طريقاً ينهضون فيه الهمم الخوامد، ويحركون القلوب الجوامد، ويحيَّون مكارم الشِيَم و يوردون الأمة مورد سابقيها من الأمم!
وأنا –الآن- معكم في الآداب العليا! أرى بداية لهذا المنهج الجديد.. ونسأل الله التوفيق للجميع!
المصدر | بقلم الأستاذ المربي منح شهاب - صيدا