صيدا سيتي

وليد حسين خلف في ذمة الله خليل عثمان الحلاق في ذمة الله الفأر وقطعة الجبن المستحيلة (قصة قصيرة) المبادرة (7) "السلامة العامة والأمن" الدكتور منصور كامل منصور (أبو عبد الرحمن) في ذمة الله الحاج هشام أحمد الإسكندراني (الحاج أبو إبراهيم) في ذمة الله هلال الجعفيل: المرشح الذي يشبهنا... والمعنى النبيل لخدمة الناس الآثار الإيجابية والسلبية للأحزاب على انتخابات بلدية صيدا؟ شركة في صيدا تبحث عن مدير فرع يتمتع بكفاءة عالية وخبرة مميزة المبادرة (6) "الإدماج الاجتماعي والمشاركة المجتمعية" سرقة فروج مشوي على الفحم في وضح النهار بصيدا بين سؤالين (قصة قصيرة) نظافة من الباب للباب… وخدمة من القلب! معنا، بيتك دايمًا بأحلى حال! المبادرة (5) "الرعاية الصحية والرفاهية" ما إيجابيات وسلبيات ترشح رجال الأعمال إلى رئاسة بلدية صيدا؟ المبادرة (4) "التعليم والتعلّم مدى الحياة" المبادرة (3): "النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل" مطلوب شراء أثاث منزلي مستعمل ثانوية السفير كرمت الإعلامي رأفت نعيم: عندما يتحول الخبر الصحفي كتابًا! رثاء الحاج مصطفى زهدي بشير البابا

من صيدا... إلى وعد الآخرة (قصة قصيرة)

إعداد: إبراهيم الخطيب - الجمعة 04 نيسان 2025 - [ عدد المشاهدة: 4198 ]
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload

(1)

​كان الليل في صيدا يتكئ على البحر، يهمس للمدينة بما لا يُقال. البيوت تنام، والشرفات تُطفئ أنفاسها الأخيرة، لكن في الطابق الرابع من بناية متواضعة، بقيت ثلاث نوافذ مضاءة. لا لشيء، سوى أن هناك أرواحًا لم تفرغ من أداء أمانتها بعد.

في ركن من الشقة، كان حمزة نائمًا، كما ينام الذاهبون إلى موعِدهم دون وجل. لا صوت إلا تنفّسه المنتظم، ولا شيء على المائدة سوى كوب ماء نصف ممتلئ، وكتاب صغير على طرف السرير. قبل أيام، قالها وهو يبتسم: "لا تحزنوا عند موتي، وليكن يوم فرح، والملتقى في الجنة."

قالها بنبرة من يعرف أن الرحيل ليس هزيمة، بل سفر نحو النور. ومن يومها، كأن النوم صار له معنى آخر... كأن جسده كان يرتاح لتتهيأ روحه لما هو أعظم.

في الغرفة المجاورة، جلست جنان، ابنة أبيها، تقرأ القرآن. تقرأه كما تقرأ الأم في غياب أبنائها، وكما يقرأ العاشق رسائل لا يُرسلها، تهمس بالحروف وكأنّها تصلي بصوتها للعالم كله. بين كل صفحة وصفحة، تنهيدة. لا يدرى أهي من الخشوع أم من يقينٍ أن كل حرف تُردده هو زادٌ في الطريق إلى دار السلام.

وفي الصالة الصغيرة، جلس أبو ياسر، يراجع خططًا لم تكتمل، وخرائط طُويت أكثر من مرة. القائد الذي لم يعرف للراحة طريقًا، كان تلك الليلة يحدّق في نقطةٍ ما على الورقة، كمن يرى موعدًا يقترب. ما عاد يتحدث كثيرًا، ولا يشرح ما يفعل. الرجال الكبار لا يرفعون صوتهم... أفعالهم هي التي تتكلم.

فكر في الغد، وفي الذين ينتظرون، وفي معركة طوفان الأقصى التي علّق عليها قلبه كما يعلّق الوالد صورة ابنه الشهيد على الجدار.

وفي تلك اللحظة التي لم تترك لها السماء فرصة للتنبؤ، جاء الصاروخ. لم يُسمع صوته أولًا، كأنّ القدر أراد للأرواح أن تصعد قبل أن تنتبه الأجساد.

مسيّرة إسرائيلية جبانة، تسلّلت كعادتها، وضربت بيتًا لا يحمل سوى الإيمان وأهله.

صيدا حزينة كأنها في صلاة وخشوع. الرجال كانوا يرمقون السماء وكأنهم يسألونها شيئًا لا يُقال.

صيدا لم تبكِ كمن فقد، بل كمن زُفّت إليه بشارة. لأن من صعدوا، لم يغادروا، بل عادوا إلى الأصل: إلى الله.

ليس الموت نهاية، بل ميلاد آخر لمن عاشوا للحق. الأبطال لا يُودَّعون بالبكاء، بل بالوعد أن نكمل الطريق، أن نحفظ الحكاية، وأن نزرع في أبنائنا ما آمنوا به: أن الجنة لا تُمنح، بل تُؤخذ ثمنًا للصدق.

***   ***   *** 

(2)

وحدها أم ياسر بقيت هناك، شاهدة على الحريق والسماء والغياب. صوتها لم يكن صراخًا. كان رجاءً غريبًا خرج من بين الأنقاض لا يشبه وجع الأمهات، بل صبر من صيغ من نور:

"يا رب الجيران يسامحونا... يا الله، هالناس بتكون ارتعبت... إن شاء الله ما يكون حدا تأذى من الجيران..."

قالتها وهي تنظر إلى الحيّ، لا إلى موتها القادم، كأنها تعتذر عن الوجع رغم أن القاتل معروف.

كانت تهمس للناس: "هاد طريقنا... وأبو ياسر طلبها ونالها، الله يتقبله... بس أهم شي الجيران ما يكون حدا تأذى".

وفي عينيها - رغم نزيف الوجع - ضوء امرأة لم تعد تنتمي للعادي من الحياة.

كانت تصبّر رفاق حمزة وتربت على أكتافهم، كأنها التي ودّعت ولم تُفجع، كأنها التي قُتلت ولم تمُت.

سلامٌ لقلبٍ لم تنل منه النيران.

سلامٌ لآل فرحات... ما أعظم الصبر حين يسكنه الإيمان.

***   ***   ***

(3) 

قالت لي: استيقظت من نومي وقد رأيت منامًا سمعت فيه شابًا من آل فرحات يقول: "اللهم عرّش لنا في الجنة" في الوقت الذي أطلقت فيه المسيرة صواريخ الغدر!

***   ***   *** 

(4)

كتب زين حمود في صفحته على الفايسبوك:

مرّ حمزة ليلة العيد على المحل، وتحدثنا عن حال فلسطين والمنطقة. كان يحمل كيسًا في يده، ثم بدأ يخفيه شيئًا فشيئًا وراء ظهره. سألته: «ما بك؟ لماذا ارتبكت؟» أجابني: «استحييت من حديثنا، إذ جلبت كنزة للعيد. أيمكن أن يكون الله قد نزع من قلوبنا الرحمة؟ كيف نحتفل وأهل غزة يصيبهم ما يصيبهم؟» قلت له: «كلنا على هذه الطريق، وسيأتينا جميعًا الدور. أعاده الله عليك وعلى أهلك بالخير، وسلّم لي على الغالي، حفظه الله». أقسم بالله أنه قال لي: «أشعر أنني أودع أصحابي، قبل قليل في البلد التقيت بأصدقاء لم أرهم منذ خمس سنوات، والآن رأيتك أنت أيضًا! أتظن أنني سأستشهد؟» مازحته قائلًا: «رزقك الله إياها، لنعلّق لك صورة كبيرة في الحي ونكتب عليها الشهيد البطل!» ضحكنا وغادر.

الآن، ينشرون صور الشهيد حمزة حسن فرحات! نحن أمة، كل أمانيها صعبة التحقيق إلا أمنية الشهادة تتحقق أسرع مما نتوقع! أتتخيل أن تكون نائمًا في بيتك، ثم تصبح منشورًا على الفيسبوك، وغدًا صورةً معلقة على الجدار؟ لماذا؟ ما السبب؟ لأنّ الكيان الصهيوني يرانا أرخص من أن نحيا كبقية البشر! رحمك الله، ورحم أختك، ورحم الحاج أبا ياسر، وأطعمنا الله مما أطعمكم.


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 996015059
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة