بات واضحاً أن وزارة التربية لا تواجه مشكلة في الحصول على التمويل الدولي للامتحانات الرسمية، والذي أصبح يُربط به قرار إجراء الاستحقاق من عدمه. فوزير التربية، عباس الحلبي، مطمئن إلى أن الأموال ستكون مؤمّنة، أو هذا ما تنقله عنه الكتل السياسية. في الواقع، المشكلة هي في قيمة المبالغ المالية (واردات الامتحانات) التي تصل إلى الوزارة من منظمة «اليونيسف» والجهات المانحة الأخرى، ووجهة صرفها، ومعرفة مصير ملايين الدولارات الضائعة والتي قد تصل إلى أكثر من 8 ملايين دولار.
تمويل «اليونيسف»
في اتصال مع «الأخبار»، أكّدت منظمة «اليونيسف» أن «وزارة التربية تعمل حالياً على تحديد التمويل المطلوب للامتحانات الرسمية، ومن المتوقّع أن تشارك المنظمة في تمويل قسم من تكاليف امتحانات العام الدراسي الجاري 2022 ـ 2023 أيضاً». ولفتت إلى أن وزارة التربية تعدّ ميزانية شاملة للتكاليف المتعلقة بالامتحانات، وتحدّد مصادر التمويل المشتركة المحلية والخارجية. وعليه تقوم « اليونيسف» بمراجعة ما هو متوفر من تمويل لديها من المصادر الحالية المتاحة أو الجديدة لدعم تكاليف معينة بناءً على مناقشة مفصّلة مع وزارة التربية.
وعما إذا كانت الجهات المانحة تدقّق في وجهة صرف الأموال، أوضحت اليونيسف أنها تقدّم باستمرار تقاريرها إلى الجهات المانحة حول استخدام الأموال التي تقدمها لبرامجها في دعم الأطفال في لبنان. وشرحت أنه بالنسبة إلى أيّ مشتريات تموّلها اليونيسف، فهي تقوم بعملية الشراء المباشر من الباعة المحلّيين من خلال المنافسة المفتوحة، بما يتماشى مع سياسات المنظمة وإجراءاتها.
وبالنسبة إلى دعم القوى العاملة في الامتحانات الرسمية، ورهناً بتوافر التمويل، تدفع «اليونيسف» مباشرة إلى المستفيدين المحدّدين من وزارة التربية، بناءً على بيانات الحضور التي يجري التحقق منها من الوزارة.
وفي هذا الصدد، قالت إنها «حوّلت في العام الماضي مبلغاً يوازي 700 ألف دولار مباشرة إلى عدد من العاملين في قطاع التعليم لقيامهم بالأعمال الإضافية المتعلقة بإجراء الامتحانات، إذ جرى توفير الحوافز الصغيرة بناءً على عدد ساعات عملهم وأيامها».

ملايين ضائعة
إلى ذلك، يُظهر الجدول المالي الذي نشرته وزارة التربية، أخيراً، على موقعها الإلكتروني، أنه جرى تخصيص 8.9 ملايين دولار حوافز للامتحانات من مشروع S2R2 (برنامج تعليم جميع الأطفال المموّل من البنك الدولي والممدّد حتى شباط 2024)، من دون أن تحدّد وجهة صرفها. هذا يعني أن المبلغ الذي رُصد لحوافز الامتحانات في العام الدراسي الماضي هو على الأقل 9.6 ملايين دولار من مصدرين فقط (8.9 ملايين دولار من S2R2 و700 ألف دولار من «اليونيسف»)، ويضاف إليها 821 ألف دولار وردت في الجدول المالي أيضاً وخُصّصت لبعض التجهيزات وصيانة الكاميرات وكرّاسات الامتحانات وبطاقات الترشيح، أي بما مجموعه 10 ملايين و421 ألف دولار، ولا نعرف إذا كانت هناك مصادر أخرى للتمويل. ولا يجب أن ننسى أن هناك 2.4 مليار ليرة، هي الموازنة الرسمية للامتحانات المرصودة من الدولة، أو ما يوازي 60 ألف دولار وفق سعر صرف الدولار آنذاك. يُذكر أن امتحانات التعليم المهني لديها موازنة مستقلة، علماً أن العدد الإجمالي للطلاب المرشحين لهذه الامتحانات في كلّ الاختصاصات وفي كل المراحل هو 40 ألف مرشح، مقابل نحو 105 آلاف و172 طالباً ترشحوا للدورة الأولى في التعليم العام للعام الدراسي الماضي في الشهادتين المتوسطة والثانوية العامة بفروعها الأربعة.

مليونا دولار معروفة المصير
في المقابل، فإن الرقم الذي تفصل وزارة التربية وجهة صرفه لا يتجاوز مليوني دولار، إذ علمت «الأخبار» أن المبلغ الذي رفعته الوزارة إلى منظمة اليونيسف حول كلفة الامتحانات الرسمية لهذا العام هو نحو مليون و800 ألف دولار. أما في العام الدراسي الماضي (2021 ـ 2022)، فإن أوراق الوزارة تشير إلى أن مجموع المبالغ المطلوبة لتمويل الامتحانات على شكل حوافز للمشاركين فيها: هو مليونان و19 ألفاً و763 دولاراً موزّعة كالآتي: 939 ألفاً و438 دولاراً للمراقبين وعددهم في الدورتين العادية والاستثنائية 14 ألفاً و428 مراقباً، و232 ألفاً و405 دولارات للمصحّحين وعددهم 2907 مصححين في الدورتين، و847 ألفاً و921 دولاراً للعاملين في الأعمال الإدارية، وعددهم 2822 مشتركاً. هذا يعني أن هناك نحو 8 ملايين و300 ألف دولار تاهت في العام الماضي.
بحسب مصادر نيابية، الأجواء متجهة نحو إبقاء امتحانات «البريفيه»


المفارقة أن الكلفة المرصودة عالية جداً وتكفي إعطاء 250 دولاراً لكل المعلمين في القطاع الرسمي (40 ألف معلم) لمدة شهر. علماً أن الامتحانات تجري لأيام معدودة، وعدد المعلمين المشاركين في أعمال المراقبة والتصحيح لا يتجاوز 20 ألف معلم، فهل الكلفة في المشتريات وأوراق الامتحانات والطباعة؟ حتماً لا، فبيانات الوزارة تظهر أن مستلزمات الامتحانات لا تتعدى مليون دولار. أي أن المبالغ المتبقية وهي بحدود 7 ملايين و300 ألف دولار في العام الماضي بقيت مجهولة المصير، ما يقودنا إلى التساؤل عما إذا كان الباقي، وهو رقم كبير جداً، ذهب إلى الفريق الإداري في الوزارة، وهذا برسم النيابة العامة المالية.

انقسام في لجنة التربية
في لجنة التربية النيابية من يقول إن إصرار وزارة التربية على إجراء الامتحانات الرسمية لا ينبع من منطلقات تربوية، إنما من اعتبارات تنفيعية. وفيما لا يزال النقاش دائراً بين الكتل السياسية حول مصير امتحانات الشهادة المتوسطة، فإن هناك آراء مختلفة داخل اللجنة، إذ إنّ ثمة من يطرح إلغاء شهادة البريفيه نهائياً على غرار باقي دول العالم، ومنها من يقترح إلغاءها استثنائياً بسبب الظروف، علماً أن التمويل متوفر، ومنها من يعرب عن وجهة نظره بأن الإلغاء لا يمكن أن يحصل من دون ربط ذلك بنظام تقويمي متكامل. ففي دول العالم هناك صيغ مختلفة لتقويم الطلاب خلال العام الدراسي. وإذا كان قرار إلغاء الامتحانات يحتاج إلى قانون في المجلس النيابي، فإن الدفة في المجلس تميل إلى الإلغاء، وتأمين النصاب لجلسة إقراره ليس صعباً. إلا أن القرار الأول والأخير بإجراء الامتحانات هو لوزارة التربية وليس للمجلس النيابي، فهل الوزارة فعلاً مع الإلغاء؟ تشير مصادر نيابية إلى أن الأجواء متجهة نحو تكريس إجراء امتحانات البريفيه لا إلغائها.

اتحاد «الخاص» مع «البريفيه»
من جهتها، عبّرت مصادر اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة عن إصرارها على إجراء امتحانات الشهادة المتوسطة، معتبرة أن قرار إلغائها هو قرار غير تربوي. وإذا كان لا بد من مراعاة أوضاع التعليم الرسمي، فلا مانع لدى الاتحاد من اتخاذ الوزارة بعض الإجراءات التي تؤمّن العدالة للطلاب في القطاعين مع الحفاظ على المستوى التعليمي.